للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال أوسُ بن قَيْظي أحد بني حارثة: يا رسولَ الله، إن بيوتنا عورةٌ - أي خالية -، فَأْذَنْ لنا أن نرجع إلى ديارنا فإنها خارجَ المدينة. وكان ذلك عن رأي رجال من قومه المنافقين (١).

فلم يأذن لهم وأقاموا محاصَرين بضعًا وعشرين، ولم يكن بينهم قتال إلا الرميُ بالنبل يتناوبون عليهم.

قال أنس: لما اشتد القتال جاءهم أبو سفيان بن حرب، وخالد بن الوليد، وعكرمة ابن أبي جهل، وعمرو بن العاص، وضرار بن الخطاب الفهري، ووجوه القبائل والأحابيش، واستمر القتال بينهم عامَّةَ النهار، وفاتَ رسولَ الله أربعُ صلوات، فلما رجع الناسُ إلى منازلهم، أمر بلالًا فأذَّنَ وأقام لكل صلاة (٢).

ولما طال الأمر، كتب أبو سفيان إلى النبي : باسمك اللهمَّ أحلف باللات والعُزَّى، وإساف ونائلة وهُبَل، لقد سِرْتُ إليك لأستأصِلَكَ وأصحابَك، فرأيتُك قد اعتصمتَ بمكيدة ما كانت العرب تعرفها، وإنما تَعرفُ ظِلَّ رماحها وشبا سُيوفها، وما فعلتَ هذا إلا فرارًا من سيوفنا ولقائنا، وإن لك مني يومًا كيوم أُحدٍ والسلام.

وبعث بالكتاب مع أبي أسامة الجُشَمي، وأراد بالمكيدة الخندق، فقرأه أبي بن كعب على رسول الله ، فأمره أن يكتب جوابه، فكتب: "بسم اللهِ الرَّحمن الرَّحيم، من محمدٍ رَسول الله إلى صَخرِ بن حربٍ، أما بعد، فقد أتاني كتابك يا أحمقَ بني [غالب] وسفيهَهم، وقديما غرك بالله الغرور، وسيحولُ الله بينكَ وبينَ ما حَاولتَ، ويجعلُ لنا العاقِبةَ، ولَيأتينَّ عليكَ يومٌ أكسِرُ فيه اللاَّت والعُزَّى، وإسافَ ونَائلةَ، وهبلَ، والسلام (٣) ".

ولما اشتد الحصارُ على الناس، بعث رسول الله إلى عُيَيْنَةَ بنِ حِصْن، والحارثِ ابنِ عَوْفٍ بن أَبي حارثة المُرِّي (٤)، وهما قائدا غطفان، فصالحهما على أن يعطيَهما


(١) انظر "السيرة" ٢/ ٢٢٢ و ٢٤٦.
(٢) انظر "الطبقات الكبرى" ٢/ ٦٥.
(٣) انظر "المغازي" ٢/ ٤٩٢ - ٤٩٣، و"أنساب الأشراف" ١/ ٤١١، وما بين معقوفين زيادة منه.
(٤) في النسخ: المزني، وكذا جاء في "الإصابة" ١/ ٢٨٦، وفي "السيرة" ٢/ ٢٢٣: المري، ولعله هو الصواب. انظر "جمهرة النسب" ص ٤١٨.