للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفيها: كانت غزاة بني قريظة (١).

قال علماء السير: لما انصرف الأحزاب عن المدينة، لحق أبو سفيان بمكة، وعُيينةُ بنجد، والأعراب بأماكنها، دخل رسول الله بيت عائشة ، ووضع المسلمون سلاحهم، فجاء جبريل مُعْتَجِرًا بعِمامةٍ من إستبرق، وقيل: كانت سوداء، قد أرخى ذُؤابتيها بين كتفيه، وهو على بَغْلةٍ عليها قَطيفةٌ أو رِحالةٌ من ديباج، فوقف عند موضع الجنائز، فخرج إليه رسول الله ، فقال له: "يا محمَّد، عَذيرُكَ (٢) من مُحاربٍ! أَوَ قَدْ وَضعتَ السَّلاح، واللهُ يأمُرُكَ أن تَسيرَ إلى بني قُريظَةَ". فخرج راكبًا على حمار عُرْيٍ والناس يمشون بين يديه، ودعا عليًا رضوان الله عليه فدفع إليه لواءه، واستخلف على المدينة عبد الله بن أم مَكتوم، وسار إليهم في ثلاثة آلاف من المسلمين، وستة وثلاثين فرسًا، وذلك يوم الأربعاء لسبع بقين من ذي الحجة، أو القعدة (٣).

وقال له جبريل : إني مُزلزلٌ عليهم حُصونَهم.

وقد روى الإِمام أحمد رحمة الله عليه، عن عائشة رضوان الله عليها: أن رسول الله لما فرغ من الأحزاب، دخل إلى المُغْتَسلِ ليغتسل، فجاءه جبريل فقال: أَوَقَدْ وضعتم السلاح، ما وضعت الملائكة أسلحتها، أو ما وضعنا سلاحنا أو أسلحتنا بَعْدُ، اِنْهَدْ إِلى بني قريظة.

قالت عائشةُ: كأني انظر إلى جبريل من خلل الباب قد عصب رأسه من الغبار في زقاق بني غَنْم (٤).

فسار إليهم رسول الله فحاصرهم بضع عشرة ليلة. وفي رواية: خمس عشرة


(١) "السيرة" ٢/ ٢٣٣، و"المغازي" ٢/ ٤٩٦، و"الطبقات الكبرى" ٢/ ٧٠، و"أنساب الأشراف" ١/ ٤١٤، و"تاريخ الطبري" ٢/ ٥٨١، و"المنتظم" ٣/ ٢٣٨، و"البداية والنهاية" ٤/ ١١٦.
(٢) أي: هات من يعذرك.
(٣) "المغازي" ٢/ ٤٩٧، و"الطبقات" ٢/ ٧٠.
(٤) أخرجه أحمد في "مسنده" (٢٤٩٩٤)، وقوله: "في زقاق بني غنم" هو من حديث أنس الآتي، ولم نقف عليه من حديث عائشة.