للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان الزَّبِير بنُ باطا يكنى أبا عبد الرحمن قد منَّ على ثابت بن قيس بن شمّاس؛ أخذه يوم بُعاث أسيرًا، فجز ناصيته وأطلقه. وكان الزَّبير شيخًا كبيرًا فرآه ثابت في ذلك اليوم فعرفه وقال له: هل تعرفني؟ فقال: وهل أجهلك؟ قال: فإني أريد اليوم أن أجزيك بِيَدِكَ عندي، فقال: إن الكريم يجزي الكريم.

فجاء ثابتٌ إلى رسول الله فاستوهبه منه وعرَّفه يَدَهُ عنده فوهبه له، فقال له: إن رسول الله قد وهب لي دمك. فقال: شيخٌ كبيرٌ لا مال ولا أهل، فما يصنع بالحياة؟ فاستوهب ثابت ماله، وأهله وولده وأتاه فأخبَره، فقال: أي ثابت ما فعل الذي كأَنَّ وَجْهَه مرآةٌ صَقيلةٌ يترآى فيها العذارى وجوههن، كعبُ بن أسد؟ قال: قتل، قال: فما فَعَل سيِّدُ الحاضِر والبادي حُيَيُّ بنُ أخطب؟ قال: قتل، قال: فما فعل مُقَدَّمُنا إذا شدَدْنا، وحامينا إذا كررنا: عَزّال بن شمويل قال: قتل. وعدَّ جماعة، وثابت يقول: قتلوا. فقال له: يا ثابت، فإني أسألك بيدي عندك إلَّا ألحقتني بالقوم، فوالله ما في العيش بعدهم خَيْر حتى ألقى الأحبة. فقال له: تلقاهم في نار جهنم، فقتله (١).

وقالت عائشة رضوان الله عليها: لم يقتلْ من نسائهم إلا امرأةٌ واحدة، والله إنها لقاعدة عندي تتحدث وتضحك ظَهْرًا وبطنًا، ورسول الله في السوق يقتلُ رجالَهم، إذ هتف هاتف باسمها: أين فلانة؟ فقالت: ها أنا والله. فقلت لها: مالك ويلك؟ قالت: أُقتلُ. قلت: ولم؟ قالت: لحَدَثٍ أحدثته. فذهبوا بها فضربوا عنقَها، فلا أنسى طيبَ نَفْسِها، وكثرةَ ضحكها. وقد عَرَفَتْ أنها تُقْتَلُ، وهذه المرأة رمت على خَلَّاد بن سويد رحًا فقتلته، فقتلها رسول الله (٢).

وقسم رسول الله أموالهم، ونساءهم وأولادهم بين المسلمين، ووُجِدَ في حصونهم ألفٌ وخمس مئة سيف، وألف رمح، وألف وخمس مئة ترس، وأموالٌ عظيمة، ومواشي كثيرة، فكانت السُّهمانُ بعد ما أَخرجَ رسول الله الخُمْسَ على ثلاثة آلافٍ ونَيِّفًا وسبعين سهمًا، للفارس سهمان (٣)، وللراجل سهم، واستعمل على


(١) "السيرة" ٢/ ٢٤٢ - ٢٤٣، والقائل له هذه المقالة هو أبو بكر الصديق .
(٢) "السيرة" ٢/ ٢٤٢.
(٣) في "السيرة": للفرس سهمان، ولفارسه سهم.