للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولما أصبحوا، نزلوا على حُكْمِ رسول الله ، فتواثبت الأوس وقالوا: يا رسول الله، إنهم موالينا دونَ الخزرج، وقد فعلت في موالي الخزرج ما فعلت، يشيرون إلى بني قينقاع الذين شفع فيهم عبد الله بن أبي. فقال لهم رسول الله : "يَا مَعَاشِرَ الأَوْسِ، أَمَا ترَضَوْن أَن يحكُمَ فيهم رَجلٌ مِنكُم؟ " قالوا: بلى. قال: "فَذَاكَ سعدُ بنُ معاذٍ". قالوا: رضينا، فقال: "عَليَّ بسَعدِ بن مُعاذٍ". فجيء به على حمار وعليه إِكافٌ من ليف، فجعلوا يقولون: يا أبا عمرو، حُلفاؤك ومواليك ومَنْ قَدْ عَلِمْتَ. وسعد يقول: أنا لا أبالي في الله لومة لائم. فقال له رسول الله : "احكُم فِيهم". فقال: أحكم فيهم أن يُقْتَلَ مُقاتِلُهم، وتُسبى ذراريهم، وتُقْسَمَ أموالُهم، فقال رسول الله : لقد حكمت فيهم بحكم الله ورسوله، وأنزلهم رسول الله دار ابنة الحارث، امرأةٍ من بني النجار (١).

وكان من حكم سعد أن يقتل كل من جَرت عليه الموسى (٢). قال عطية القُرَظي: وكانوا يقتلون من أنبت، فكنت فيمن لم يُنْبِت (٣). ثُمَّ كُتِّفوا، وجعل عليهم رسول الله عبد الله بن سلام، ثم جلس رسول الله في السوق الذي هو اليوم سوقُ المدينة، وحفر لهم الخنادق، وخدَّ لهم الأخاديد، وأُخْرِجوا رَسْلاً فضربت أعناقهم، وكان عِدَّتُهم من الست مئة إلى السبع مئة أو ثمان مئة، وقيل: أربع مئة، وفيهم كعب بن أسد، وحُيَيُّ بن أخطب، وعَزَّال بن شمويل (٤).

ولما جيء بحُييِّ بنِ أخطب، كان عليه حُلَّةٌ قضاعية (٥) قد شقَّقها من كل جانب لئلا يلبسَها غيرُه، ويداه مجموعةٌ إلى عُنُقه، فلما رأى رسولَ الله قال: والله ما لمتُ نفسي في عداوتك، ولكنه من يَخْذُلِ اللهَ يُخْذَلْ، وهذا أمر قَدَّره الله، ومَلْحمةٌ كتبها على بني إسرائيل، ثم قُدَّمَ فَضُرِبَتْ عنقه (٦).


(١) انظر "السيرة" ٢/ ٢٣٩ - ٢٤٠.
(٢) انظر "المنتظم" ٣/ ٢٣٩.
(٣) أخرجه أحمد في "مسنده" (٢٢٦٥٩).
(٤) انظر "السيرة" ٢/ ٢٤٠ - ٢٤١، و"تاريخ الطبري" ٢/ ٥٩٠.
(٥) هكذا في النسخ، وفي "السيرة": "فقَّاحية" وهي التي تضرب إلى الحمرة.
(٦) "السيرة" ٢/ ٢٤١.