للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال أبو لُبابةَ: فوالله ما زالَت قدمي عن مكانها حتى ندمت واسترجعت، وقلت: خُنْتُ الله ورسولَه، ونزلتُ، وإنَّ لحيتي مبتلةٌ بالدموع والناس ينتظرون رجوعي إليهم، فأخذت طريقًا من وراء الحِصنِ إلى المسجد، فربطت نفسي إلى ساريةٍ، وبلغ النبي صنيعي. فقال: "دَعُوه حتَّى يُحْدِثَ الله فيهِ ما يَشَاءُ، لو كانَ جاءَني لاسْتَغفَرتُ له، فإذْ لم يَأتِني وذَهَب، فَدعُوهُ". فأقام سبعًا لا يأكل ولا يشرب في حَرٍّ شديد وقال: لا أزال كذا حتى أفارقَ الدنيا أو يتوبَ الله علي.

قالت أم سلمة: فرأيتُ رسولَ الله يَحُلُّ رباطه، وإن رسول الله ليرفع صوته يكلمه ويخبره بتوبته، وما يدري كثيرًا مما يقول من الجَهْدِ والضعفِ، ولقد كان الرباط حَزَّ في ذراعه، وكان من شَعَرٍ، وكان يداويه بعد ذلك دهرًا (١).

وقال ابن إسحاق: نزلتْ توبةُ أبي لبابة ورسولُ الله في بيت أم سَلَمةَ. قالت: فقلت: ألا أُبَشَّره؟ قال: "بَلَى". فناديته: يا أبا لبابة، أبشر فقد تاب الله عليك. فثار الناس ليطلقوه، فقال: لا والله حتى يكونَ رسولُ الله هو الذي يطلقني بيده. فجاء رسول الله فأطلقه (٢).

قال الواقدي: وأسلم في تلك الليلة جماعة من قُرَيظة والنَّضير منهم: عمرو بن سُعْدى القُرَظي، وكان قد أبى أن ينقض ما بينه وبيت رسول الله لما نقضت قريظة، وقال: لا أَغْدِرُ بمحمد. فخرج في تلك الليلة، فمر بحرسِ رسول الله ، وفيهم محمَّد بن مسلمة فلم يعرض له، فذهب فلا يدرى أين سلك (٣).

قال البلاذري: ومن أشراف قريظة أسيد بن أعصم الساحر أخو لبيد، ورفاعة بن زيد بن التابوت، والزَّبِير بن باطا، وقردم بن كعب، وكعب بن أسد، وكان المشار إليهم، في آخرين (٤).


(١) انظر "السيرة" ٢/ ٢٣٥ - ٢٣٧، و"المغازي" ٢/ ٥٠٣ - ٥٠٨، وسياق القصة منهما جميعًا.
(٢) "السيرة" ٢/ ٢٣٧.
(٣) "المغازي" ٢/ ٥٠٣ - ٥٠٤.
(٤) "أنساب الأشراف" ١/ ٣٣٣، وذكرهم البلاذري في معرض حديثه عن عظماء اليهود فذكرهم، لا أنهم أسلموا.