للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المسلمين يقال لها: رُفَيْدَة، كانت تداوي الجرحى، وتقوم على المرضى تحتسب فعلها عند الله تعالى، وكان كَلْمُ سَعْدٍ قد انفجرَ (١).

وقال هشام (٢): حاصرهم رسول الله خمسًا وعشرين ليلة حتى أجهدهم الحصار، وكان حُييَ بن أخطب قد دخل في حصن كعب بن أسد وفاءً لكعبٍ بما عاهده عليه، فلما تيقنوا أن رسول الله غير منصرف عنهم حتى يُناجزَهم، اجتمعوا وتشاوروا، فقال لهم كعب بن أسد: قد نزل بكم ما تَرَوْنَ فاختاروا إحدى ثلاث: إما أن نبايعَ هذا الرجل ونصدِّقَه وقد علمتم أنه نبي مُرْسَلٌ، وأنه الذي قد وجدتم نَعْتَه في كتابكم، فآمنوا به، واحقنوا دِماءَكم، وأحرزوا أموالكم وأولادكم ونساءكم، فأبَوْا وقالوا: لا نتركُ دينَنا، قال: فتعالَوْا حتى نقتلَ أبناءَنا ونساءنا، ونخرجَ بسيوفنا، فإما أن نُقْتَلَ أو نَظْفَرَ، فإن قُتِلنا لم يكن وراءنا هَمٌّ، وإن ظَفِرنا فما نعجزُ عن اتخاذ الأبناء والنساء. قالوا: فإذا قتلنا أهلنا فأي عيش يبقى لنا بعدهم.

قال: فإن أبيتم فالليلةُ ليلةُ السبت ومحمدٌ وأصحابه آمنون من خروجنا إليهم، فأخرجوا فلعلنا أن نصيب منهم غِرَّة، فقالوا: لا تُفْسِدْ علينا سبْتَنا فنُمْسَخَ كما مُسِخَ غيرُنا. فقال لهم: يا إِخْوَةَ القِرَدَةِ، والله ما بات أحدكم منذُ ولدته أمه ليلة من الدهر حازمًا!

ثم اتفقوا فيما بينهم أن يرسلوا إلى رسول الله يطلبوا منه أبا لُبابة بن عبد المنذر أخا بني عمرو بن عوف ليستشيروه في أمرهم، وكانوا حلفاء الأوس.

قال أبو لبابة: فقال لي رسول الله : "اذهَب إلى حُلفَائِكَ، فإنَّهم أَرسَلُوا إليكَ من بَينِ الأَوسِ والخَزرَجِ"، فدخلت إليهم فمشَوْا إلي، وبكى النساءُ والصبيانُ وقالوا: نحن مواليك دون الناس كلهم، وقد عرفت ما صنعنا في أمرك وأمر قومك يومَ الحدائقِ ويومَ بُعاثٍ، وكلَّ حَرْبٍ كنتم فيها، وقد اشتد علينا الحصار وهلكنا، وخيَّرنا بأن [لا] يفارقنا حتى ننزل على حكمه، فماذا ترى؟ فإنا قد اخترناك على غيرك. فرقَّ لهم وقال: نعم فانزلوا على حكمه. وأشار إلى حلقه إِنه الذبح.


(١) "السيرة" ٢/ ٢٣٩.
(٢) هكذا جاء في النسخ، ولعله ابن هشام.