للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال ابن إسحاق: رجع رسول الله من غزاة بني لحيان، فأغار عُيَيْنَةُ بنُ حِصْن بن بدر الفَزاري في خيل غَطَفان على لِقاحِ رسول الله ، وكانت عشرين لَقْحةً ترعى بالغابة، وفيها رجل من بني غَطَفان وامرأة، فقتلوا الرجل واحتملوا المرأة، وكان عيينة في أربعين فارسًا. وقيل: إن الرجل الراعي كان ابن أبي ذر، وجاء الصَّريخُ إلى المدينة فنودي: يا خيلَ اللهِ اركبي. وهي أول ما نودي بها في المدينة، وبعث رسول الله أبا عُبيدة بن الجرَّاح وسَلَمة بن الأكوع في آثارهم.

قال البخاري: حدثنا حسان، عن محمد بن طلحة، عن حُميد، عن ثابت، عن سَلَمة بن الأكوع قال: خرجتُ قبل أن يؤذَّن بالأولى، وكانت لِقاحُ رسول الله ترعى بذي قَرَد، فلقيَني غلامٌ لعبد الرحمن بن عوف، فقال: أُخِذَتْ لِقاحُ رسول الله . قلت: من أخذها؟ قال: غطفان. فصرخت ثلاث صرخات: يا صباحاهُ. قال: فأسمعتُ ما بين لابَتَيْها - أو لابَتَيِ المدينةِ - ثم اندفعت على وجهي فأدركتهم يسقون على الماء، فجعلت أرميهم بنبلي وكنت راميًا، وأقول: أنا ابن الأكوع، اليومُ يومُ الرُّضَّعِ. وأَرْتَجِزُ حتى استَعَدْتُ اللِّقاح منهم، واستلبت ثلاثين بُرْدَةً.

قال: وجاء النبي والناس معه، فقلت: يا نبي الله، قد حَمَيْتُ القومَ الماءَ. فقال: "يا ابنَ الأَكْوَعِ، مَلكْتَ فَأَسْجِح". قال: فرجعنا، وأَرْدَفَني رسول الله ناقته حتى دخلنا المدينة. وهو حديث طويل متفق عليه (١).

وفيه قال سلمة: فرجعنا من (٢) الحديبية إلى المدينة، فنزلنا منزلًا، بيننا وبين بني لحيان جَبَلٌ - وذكر ما يدل على أن هذه الغزاة بعد غزاة الحديبية - وبنو لحيان مشركون، فاستغفر رسول الله لمن رَقيَ ذلك الجبلَ في تلك الليلة طليعةً لرسول الله وأصحابه. قال سلمة: فرقيته مرتين أو ثَلاثًا، ثم قَدِمْنا فبعث رسول الله بظهره مع غلامه رَباح، فخرجت معه بفرس طلحة، وذكر غارةَ عبد الرحمن الفزاري على المدينة، وأَخْذَهُ ظَهْرَ رسول الله وقَتْلَ راعيه.

قال سلمة: فقلت: يا رَباحُ، خذ هذا الفرسَ، فأبلغه طلحةَ بن عُبَيْد الله، وأَخْبر


(١) أخرجه البخاري (٤١٩٤)، ومسلم (١٨٠٦) والحديث بهذا السياق انفرد بإخراجه مسلم كما سيأتي.
(٢) في النسخ: إلى؟!