للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رسول الله أن المشركين قد أغاروا على سَرْحِه، ثم قمت على أَكَمَةٍ فاستقبلت المدينة وناديت: يا صَبَاحَاهُ ثلاثًا، ثم خرجتُ في آثار القوم أرميهم بالنبل، فألحقُ رجلًا فأصكُّه (١) سَهْمًا حتى خَلَصَ نَصْلُه إلى كتفيه، وأقول: خذها وأنا ابن الأكوع، فما زلت أرميهم وأعْقِرُهم، فإذا رجع فارس إليَّ جلست في أصل شجرة ثم أرميه فأعقِره، حتى دخلوا في مضايق الجبل، فجعلت أعلو على الجبل وأرميهم بالحجارة حتى خَلَّصْتُ ظَهْرَ رسول الله أجمَعَهُ، وألقَوْا أكثر من ثلاثين بُردةً، وثلاثين رمحًا، ولا يطرحون من شيء إلا جعلت عليه آرامًا (٢) من الحجارة يعرفها النبي وأصحابه، حتى إذا أتوا متضايِقًا من ثَنِيَّةٍ أتاهم فلان بن بدر الفزاري، فجلسوا يَتَضَحَّوْنَ، وجلست على رأس قَرْنٍ، فقال الفزاري: ما هذا؟ فقالوا: لقينا منه البَرْحَ، ما فارقنا منذ غَلَّس، يرمينا حتى انتزع كل شيء في أيدينا، فقال: فليقم إليه نفر منكم أربعة.

قال: فصعد إلي منهم أربعة، فلما أمكنوني من الكلام قُلْتُ لهم: هل تعرفوني؟ قالوا: لا، قلت: أنا سلمة بن الأكوع والذي كَرَّمَ وَجْهَ محمد لا أطلب رجلًا منكم إلا أدركته، ولا يطلبني رجل منكم فيُدركَني. فرجعوا، وإذا بفوارسِ رسول الله يتخلَّلون الشجَرَ وفي أوائلهم الأَخْرَمُ الأَسَدي على إثره أبو قَتادَةَ الأنصاري، وعلى إثره المِقدادُ بن الأسود الكِندي.

قال: فأخذت بِعِنان الأَخرَم، وقلت: يا أخْرَم، احذرهم لا يقتطعوك حتى يلحقَ رسولُ الله وأصحابُه، فقال: يا سلمة، إن كنتَ تؤمنُ بالله واليوم الآخر، وتعلم أنَّ الجنةَ حقٌّ والنار حق، فلا تَحُلْ بيني وبين الشهادة. قال: فخلَّيته، فالتقى هو وعبد الرحمن الفزاري، فعثر بعبد الرحمن فرسه وطعنه عبد الرحمن فقتله، وتحوّل على فرسه، ولحق أبو قتادةَ فارسُ رسول الله عبدَ الرحمن فطعنه فقتله، فوالذي كرَّم وجه محمد لتبعتهم أعدو على رِجْلَيَّ حتى ما أرى ورائي من أصحاب رسول الله أحدًا ولا غبارهم شيئًا حتى يعدِلُوا قبل غروب الشمس إلى شِعْبٍ فيه ماء يقال له: ذا قَرَدٍ ليشربوا منه وهم عطاش قد ولَّوْا هاربين، قال: فحلَّيْتُهم عنه (٣)، فما ذاقوا منه


(١) صكه: ضربه.
(٢) الآرام: الأعلام.
(٣) أي: أجليتهم عنه.