غسَّان يخبره عن خبر رسول الله ﷺ، فقال هرقلُ: انظروا أمختتن هو أم لا؟ قال: فنظروا فإذا هو مختتن، فأخبروه، فسأله عن العرب، فقال: هم يختتنون، فقال هرقل: هذا مَلِكُ هذه الأمةِ قد ظهر، ثم كتب هرقل إلى صاحب له بروميَةَ وكان نظيره في العلم يخبره، وسار هرقل إلى حمص ولم يَرِمْ حِمْصَ حتى أتاه كتاب من صاحبه يوافقُ رأي هرقل على خروج رسول الله ﷺ وأنه نبي، فأَذِن هرقل لعظماء الروم: هل لكم في الصلاح والرشد وأن يَثْبُتَ ملكُكُم فَتُبايِعُوا هذا النبي؟ فحاصوا حيصةَ حُمُرِ الوَحْشِ إلى الأبواب فوجدوها مُغَلَّقة فقال: عليّ بهم فدعاهم وقال: إني اختبرت شدتكم في دينكم، فرأيت منكم الذي أَحْبَبْتُ، فسجدوا له ورضوا عنه، وكان ذلك آخر شأن هرقل (١).
وقد ذكر هذا الحديث أرباب السير، فقالوا:
قال ابن عباس، حدثني أبو سفيان قال: كنا قومًا تِجارًا وكانت الحرب بيننا وبين رسول الله ﷺ قد أنهكتنا وذهبت أموالنا، فلما كانت الهدنة بيننا وبينه، خرجتُ في نَفَر من قريش تجارًا إلى الشام، وكان وجهُ متجرنا غزَّةَ، فقدمناها حين ظهر هرقل على من كان بأرض الشام من فارس وأخرجهم منها، وانتزع صليبه الأعظم، وكانوا قد سَلَبوه إيَّاه، وكانت حِمص منزله، فخرج يمشي على قدميه حين ردَّ الله عليه ما ردَّ، فصلى في بيت المقدس شكرًا لله تعالى وكانت تُبْسَطُ له البُسُطُ، ويلقى عليها الرَّياحينُ، فلما وصل إلى إيلْيَاء وقضى صلاته فيها ومعه بطارقته، أصبح ذات يوم مهمومًا يُقلِّبُ طرفه في السماء، فقيل له: ما لك؟ فقال: رأيت مَلِكَ الخِتانِ قد ظَهَر، فقال له بطارقته: ما نعلم أنَّه يختتن إلا اليهود، وذكر بمعنى ما تقدم، وقال: فبينا هم على ذلك إذ أتى رسولُ صاحبِ بُصرى برجل من العرب وكانت الملوك تَهادى الأخبار بينَها، فقال الرسول: أيها الملك، هذا من العرب من أهل الشاء والإبل، يحدث عن أمر عَجَبٍ حَدَثَ في بلادهم فَسَلْهُ عنه، فقال قيصر لتَرْجُمانه: سَلْهُ عن هذا الحديث الذي حدث ببلاده؟ فقال: خرج بين أظهرنا رجل يزعم أنه نبي وقد اتَّبعه ناسٌ، وخالفه ناس، وقد كانت بينهم ملاحم في مواطن كثيرة وقد تركتهم على ذلك.