للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فقال قيصر: جَرَّدوه، فجرَّدوه فإذا هو مختونٌ فقال قيصر: هذا والله الذي رأيت، لا ما تقولون، فأطلقه ثم دعا صاحب شُرطَتِه، وقال: اقلب لي الشام ظهرًا وبطنًا حتى تأتيني برجل من قوم هذا الرجل الذي قد ظهر بالحجاز.

قال أبو سفيان: فوالله إننا بغَزَّةَ إذ هجم علينا صاحب الشُّرطةِ فقال: أنتم من قوم هذا الرجل؟ قلنا: نعم، فقال: قوموا إلى الملك، قال: فانطلق بنا فدخلنا عليه فقال: أنتم من رَهْطِ هذا الرجل؟ قلنا: نعم، قال: فأيكم أمسُّ به رحمًا؟ قال أبو سفيان: فقلت: أنا - وايْمُ الله ما رأيت رجلًا كان أمكرَ من ذلك الأَقلف - فقال: ادْنُهْ، وأقعدني بين يديه وأقعد أصحابي خلفي، وقال: إني مسائله، فإن كذب فردوا عليه.

قال أبو سفيان: فوالله لو كذبت ما ردوا علي ولكني كنت امرأً سيدًا أتكرم على الكذب، وعرفت أن أيسر ما في ذلك إن أنا كذبتُه أن يحفظوا ذلك عليّ، ثم يتحدثوا به عني، فلم أكذبه، ثم قال: أخبرني عن هذا الرجل ما يدعي؟ فجعلت أزهد له شأنه وأصغر له أمره وهو لا يلتفت إلي، وقال: أنبئني عما أسألك عنه من شأنه، فقلت: سل. فقال: كيف نسبُه فيكم؟ قلت: هو من أَمْحضِنا نَسَبًا.

قال: فهل كان أحد من أهل بيته يقول مثل ما يقول فهو يتشبه به؟ قُلت: لا. قال: فهل كان فيكم ملكًا فسلبتموه ملكه فجاء بهذا الحديث لتردّوا عليه ملكه؟ قلت: لا. قال: فأخبرني عن أتباعه من هم؟ قلت: الضعفاء والمساكين وأحداث من الغِلمان والنِّساء، فأما ذوو الأنساب والأشراف من قومه فلم يتبعه منهم أحد. قال: فأخبرني عمن تبعه أيحبه ويلزمه أم يقليه ويفارقه؟ قلت: ما تبعه أحد ففارقه. قال: فهل يَغْدِر؟ قلت: بيننا وبينه هدنة ولا نأمن فيها من غدره. ولم أجد شيئًا مما سألني عنه أن أغمزه فيه غيرها فوالله ما التفتَ إليها مني، ثم كر علي الحديث.

فقال: سألتك عن نسبه فقلت: إنه محض من أوسطكم نسبًا، وكذلك الأنبياء، فإن الله لا يختار نبيًا إلا من أوسط قومه نسبًا … وذكر بمعنى ما تقدم، وقال لأبي سفيان: قم، قال: فقمت من بين يديه وأنا أضرب إحدى يدي بالأخرى وأنا أقول: لقد أَمِرَ أمرُ ابن أبي كبشة إذ أصبح ملوك بني الأصفر يهابونه بالشام (١).


(١) "تاريخ الطبري" ٢/ ٦٤٦ - ٦٤٨، و"دلائل النبوة" للبيهقي ٤/ ٣٨١ - ٣٨٣.