للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سيظهر، ودافَعَتْه قريشٌ يوم الحديبية بالرَّاحِ فقلت: أين المذهبُ؟ أَخْرج إلى هرقل فأدخل في النصرانية وأترك ديني وأقيم مع عجمٍ رومٍ أصير تبعًا لهم وذلك عيب علي؟ ودخل رسول الله مكة عامَ عمرة القضاء فتغيَّبْتُ فكتبَ إليّ أخي: لم أر أعجبَ من ذهابِ رأيك عن الإسلام وعَقْلُكَ عَقْلُكَ، ومِثْلُ الإسلام يجهله أحد؟! وقد سأل رسول الله عنك فقلت: يأتي الله به فقال: "ما مثلُ خالدٍ مَن يَجْهَلُ الإسلامَ" فاستَدْرِكْ يا أخي ما فاتك.

فلما جاءني كتابه نشطتُ للخروج وسرَّتني مقالةُ رسول الله فأجمعتُ الخروجَ إلى المدينة وطلبت مَنْ أُصاحبُ، فلقيمت عثمان بن طلحة فأخبرته بما أريد، فأسرع الإجابة وخرجنا جميعًا فأدلجنا سَحَرًا فلما كنا بالهَدَّةِ إذا بعمرو بن العاص فقال: مرحبًا بالقوم، فقلنا: وبك، فقال: إلى أين؟ قلنا: نريد رسول الله، فقال: وأنا أيضًا أريد ذلك، فقدمنا المدينة في أول يومٍ من صفرٍ سنة ثمان فسلمت على رسول الله بالنُّبوة، فرد بوجه طَلْقٍ فقلت: يا رسول الله، اغفر لي كلَّ ما صنعتُ، فقال: "الإسلامُ يَجُبُّ ما قَبْلَه". وتقدم عمرو وعُثمان فأسلما، قال خالد: فوالله ما كان رسول الله يوم أسلمتُ يَعْدِلُ بي أحدًا من أصحابه (١).

وروى الواقدي (٢) عنه قال: أوقع الله الإسلام في قلبي فلما خرج رسول الله إلى الحديبية خرجت في خيل المشركين فلقيته بعسفان فقمت بإزائه فصلى بأصحابه الظهر، فَيَمَّمْتُ أن أُغيرَ عليه، ثم لم يصحَّ عزمي وكانت خيرةً، فأطلعه الله على ما في نفسي، فصلى بأصحابه صلاة الخوف، وقت العصر فوقع ذلك مني موقعًا، وقلت: الرجلُ ممنوعٌ منا ومن غيرنا، ثم افترقنا فلما صالحته قريشٌ يومَ الحديبيةِ قلت في نفسي: أين أذهب؟ أذهب إلى النجاشي وهو قد اتبع محمدًا، وأصحابُه آمنون عنده؟ أفأخرج إلى هرقل فأتنصر وأقيم عنده؟ أو أقيمُ بمكة في داري؟ فبينا أنا في ذلك إذ قدم علينا رسولُ الله في عُمْرَةِ القضاء فتغيَّبْتُ ولم أشهد دُخُولَه، وكان أخي الوليد بن الوليد معه فأرسل إلي أخي … وذكر بمعنى ما تقدم، فأجمعت الخروجَ إلى رسول الله


(١) "الطبقات الكبرى" ٥/ ٢٦ - ٢٧.
(٢) في المغازي ٢/ ٧٤٦ - ٧٤٩.