قال زيد: فبكيت وارتفع صوتي فقال: يا لكع أتأنف لي بالشهادة؟! وترجع إلى المدينة على ناقتي، وكان كما قال، ثم التقى الفريقان فتقدم زيد بن حارثة فقاتل في نحر العدو قتالًا شديدًا لم يُرَ مثله، فمالوا عليه فاقتَسَمتْهُ الرماح فشاط عليها - أي هلك - فنادى الناس أين جعفرُ؟ فقال: ها أنا ذا وأخذ الراية وتقدم فقاتل قتالًا عظيمًا، فلما أَلحَمَهُ القتالُ اقتحم عن فرس له شقراء فعقرها، وهو أول من عَقَر فرسًا في الإسلام، ثم ارتجز:[من الرجز]
يا حبذا الجنةُ واقترابُها
طيّبةً وباردًا شرابها
والرومُ رومٌ قد دنا عذابها
عَلَيَّ إن لاقيتها ضِرابُها
ولما أخذ جعفرٌ الرايةَ جاءه الشيطان فمنّاهُ الحياةَ وكرَّه إليه الموتَ فقال: الآن حين استحكم الإيمان في قلبي؟ ثم قاتل حتى قتل، فنادى الناس عبدَ الله بنَ رواحة في جانب العسكر ومعه ضِلَعُ جمل يَنْهَشُه ولم يكن ذاق طعامًا قبل ذلك بثلاثة أيام فرمى بالضِّلَعِ ثم قال: وأنتِ مع الدنيا، ثم تقدم فقاتل فأصيبت أُصبعه فجعل يقول:[من الرجز]
هل أنت إلَّا أُصبعٌ دَميتِ
وفي سبيل الله ما لَقِيتِ
يا نفس إلَّا تُقتَلي تموتي
إن تفعلي فِعْلَهما هُديتِ
هذا حياضُ الموتِ قد صَليتِ
وما تَمنيتِ فقد لقيتِ
وإن تأخرتِ فقد شَقيتِ
ثم قال: يا نفس إلى أي شيء تتوقين؟ إلى فلانةٍ فهي طالق ثلاثًا، وإلى فلان وإلى فلان - غِلْمان له - هم أحرار، وإلى معجفٍ - حائطٍ - فهو لله ولرسوله ثم قال: