للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

باردةً، فأخبر رسول الله بذلك فسأله فقال: كان في أصحابي قِلَّةٌ وفي العدوِّ كَثْرَةٌ فخشيت فقال: "أصبتَ" (١).

وفيها: كانت سرية الخَبَطِ (٢)، وأميرهم أبو عبيدة بن الجراح ، بعثه رسول الله في ثلاث مئة من المهاجرين والأنصار قِبَلَ جُهينةَ، فأصابهم جَهْدٌ عظيم، فأكلوا الخَبَط حتى صارت أشداقهم كأشداق الإبل.

قال الإمام أحمد: حدَّثنا حسن بن موسى، حدَّثنا زهير، حدَّثنا أبو الزبير (٣)، عن جابر قال: بعثنا رسول الله وأمّر علينا أبا عبيدة نتلقَّى عيرَ قريش وزوَّدَنا جِرابًا من تمر، لم يَجد لنا غيره، فكان أبو عبيدة يُعْطينا تمرةً تمرةً، قال: فكيف كنتم تَصْنَعونَ بها؟ فقال: كُنَّا نَمُصُّها ثم نشرب عليها الماء فتَكْفِينا إلى الليل قال: وكنا نَضرِبُ بعصِيِّنا الخَبَطَ ثم نبلُّه بالماء فنأكله، قال: وانطلقنا إلى ساحل البحر فرُفِعَ لنا على ساحل البحر مثل الكثيب الضخم، فأتيناه فإذا هو دابة تدعى العَنْبَر قال أبو عبيدة: مَيِّتَةٌ، ثم قال: لا، بل نحنُ رسلُ رسولِ الله وفي سبيله وقد اضطررنا فكُلوا، فأقَمنا عليه شهرًا ونحن ثلاث مئةٍ حتَّى سَمِنّا، ولقد رأيتُنا نَغْتَرِفُ من وَقْبِ عينيه بالقِلال الدُّهْنَ، ونقطع منه الفِدَرِ كقَدْرِ الثور، قال: ولقد أخذ أبو عبيدة ثلاثة عشر رجلًا فأَقعدهم في وَقْب عينه وأخذ ضِلَعًا من أضلاعه فأقامها ثم رَحَل أعظم بعير معنا فمر من تحتها وتزودنا من لحمه وشائق، فلما قدمنا المدينة أتينا رسول الله فذكرنا له ذلك فقال: "هوَ رِزْقٌ أَخرَجهُ الله لَكُم، فَهَل مَعَكُم مِن لَحمِهِ شَيءٌ فَتُطعِمُونا؟ " فأرسلنا إلى رسول الله منه فأكله. أخرجه مسلم (٤).

* * *


(١) وأخرجه ابن حبان في "صحيحه" (٤٥٤٠).
(٢) "السيرة" ٢/ ٦٣٢، و"المغازي" ٢/ ٧٧٤، و"الطبقات" ٢/ ١٢٢، و"تاريخ الطبري" ٣/ ٣٢، و"دلائل النبوة" للبيهقي ٤/ ٤٠٦، و"المنتظم" ٣/ ٣٢٢، و"البداية والنهاية" ٤/ ٢٧٦.
(٣) في النسخ "أبو الوليد" والمثبت من مصادر التخريج.
(٤) أخرجه أحمد في "مسنده" (١٤٣٣٨)، ومسلم (١٩٣٥)، وأخرجه البخاري (٤٣٦٠) من طريق وهب بن كيسان عن جابر. قوله: "وقب": هو النقرة التي تكون فيها الحدقة. و"الفدر": جمع فَدْرة، وهي القطعة من اللحم و"وشائق" أن يؤخذ اللحم فيغلى قليلًا ولا ينضج، ويحمل في الأسفار.