للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إن لي غلامًا يقال له: كلاب، أَعمَلُ النَّاس لهذا، فقال له : "مُرهُ فَليَعْملْه"، فأرسله إلى أَثْلِ الغَابة فقطع أَثْلةً، وعمل فيها دَرَجَتَيْنِ ثُمَّ جاء به فوضعه موضعه اليوم، فجاء رسولُ الله فقام معه وقال: "مِنبَري هذا على تُرْعَةٍ من الجنة، وقَوائمهُ رَواتِب في الجنَّةِ" ثم سنَّ الإيمان على الحقوق عند منبره وقال: "مَن حَلَفَ عند مِنبَري كاذِبًا فَلْيَتبوَّأ مَقْعَده مِنَ النَّارِ" (١).

وعن جابرِ بن عبد الله قال: قال رسولُ الله : "إنَّ ما بينَ مِنْبَري إلى حُجرَتي رَوضةٌ مِن رِياضِ الجنَّةِ، وإنَّ مِنْبَري على تُرْعَةٍ من تُرَعِ الجنَّةِ" (٢).

وقال جابرٌ: كان رسولُ الله يخطُبُ إلى جذع نخلة، فقالت امرأة من الأنصار كان لها غلام نجار: يا رسول الله إن لي غلامًا نجارًا، أفلا آمره يتخذ لك منبرًا تخطب عليه؟ قال: "بلى"، قال: فاتخذ له منبرًا، فلما كان يوم الجمعة خطب على المنبر، فإنَّ الجذع الذي كان يقوم عليه كان يئنُّ كما يئنُّ الصبي، فقال النبي : "إن هذا بكى لِما فَقَدَ مِنَ الذِّكْرِ". انفرد بإخراجه البُخاريّ (٣).

وعن جابر بن عبد الله قال: كان النبي إذا خَطَب يستند إلى جِذع نخلة من سَواري المسجد، فلما صُنِعَ له منبره واستوى عليه اضطَربت تلك الساريةُ كحنين الناقة، حتى سمعها أهل المسجد، حتى نَزل إليها فاعتنقها فسكتت. أخرجه الإمام أحمد في "المسند" (٤).

ولم يزل المنبر على حاله حتَّى حج معاويةُ بعْدَما بُويعَ، فزاد فيه ستَّ درجات، فشق ذلك على الصحابة وقالوا: غيَّر آثارَ رسول الله وابتدع في الإسلام، فقال لهم سعيد بن المسيب: يا قوم لا تعجبوا من هذا واعجبوا من مروان بن الحكم كيف يقوم مقامَ رسول الله يميت السُّننَ ويحيي البدع.

وكان عزمُ مُعاويةَ إذا عاد من الحج نقْلَ المِنبرِ إلى الشام، فلما قفل من الحج أمر


(١) أخرجه ابن سعد في "الطبقات" ١/ ٢١٥.
(٢) أخرجه أحمد في "المسند" (١٥١٨٧).
(٣) أخرجه البخاري (٣٥٨٤)، واللفظ لأحمد في "مسنده" (١٤٢٠٦).
(٤) أخرجه أحمد في "مسنده" (١٤١٤٢).