للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عَجُزِ هذه البغلة فأستأمنُ لك رسول الله فوالله لئن ظَفِرَ بك لَيَضْرِبَنَّ عُنقَكَ، قال: فَرَدِفَني فخرجت أَركضُ البَغْلةَ، فكلّما مررت بنارٍ قالوا: هذا عمُّ رسول الله على بغلته، حتَّى مررتُ بنارِ عمر بن الخطاب فلما رأى أبا سفيان عرفه فقال: الحمد لله الذي أمكن منك يا عدوَّ الله بغير عقد ولا عهد، ثم اشتد نَحو رسولِ الله وركَضْتُ البغلةَ حتى اقتحمت باب القبة فسبقته، ثم جاء فقال: يا رسولَ الله، هذا عدوُّ الله ابنُ حرب قد أمكن الله منه فدعني أَضْرب عنقه، قال: فقلت: فإني قد أجرته فلا سبيل عليه، فأكثر عمر القول، فقلت: يا ابن الخطاب والله ما تَفْعَلُ هذا إلا لأنه رجل من بني عبد مناف، ولو كان رجلًا من بني عدي بن كعب ما قلت هذا، فقال: مهلاً يا عباس، فوالله إن إسلامَك يومَ أسلمتَ كان أحبَّ إلي من إسلام الخطَّابِ لو أسلم، لأنَّ إسلامَك سرَّ رسولَ الله [فقال رسول الله ] "قد أجرنا من أجرتَ وأمنّا من أمنتَ فاذهب به حيثُ شئت، حتَّى تغْدوَ به عليَّ الغَداة"، قال: فذهبتُ به إلى منزلي ثم عدتُ به على رسول الله فقال له: "ويحَكَ يا أبا سُفيانَ، ألم يأْنِ لكَ أن تَعلَمَ أنِّي رسولُ الله" فقال: بأبي أنت وأمي ما أوصلك وأحلمك وأكرمك، أما هذه ففي النَّفس منها شيء، فقال له العباس: ويحك أسلم وإلا قتلك، فأَسْلَمَ (١).

وروي أنَّه قال له رسول الله : "ويحك يا أبا سفيان ألم يأن لك أن تعلم أن لا إله إلَّا الله؟ " فقال: بلى بأبي أنت وأمي، قد كان يقع في نفسي أن لو كان مع الله إله لأغنى عنا شيئًا. ثم أسلم.

ثم قال رسول الله : يا عم، اذهب به فاحبسه عند خَطْم الجبل بمضيق الوادي حتَّى يمرَّ عليه جندُ الله، قال العباس: فقلت: يا رسول الله إن أبا سفيان رجلٌ يُحِبُّ الفَخْرَ فاجعل له شيئًا يكون له فخرًا له في قومه، فقال: "مَن دَخلَ دارَ أَبي سُفيانَ فهو آمِنٌ، ومَن أَغلَقَ بابَه فهو آَمِنٌ". ومضيت به إلى خَطْمِ الجبل وجعلتِ القبائلُ تمر به فيقول: من هؤلاء؟ فأقول سُلَيم، فيقول: مالي ولسُلَيْم، ويمر بجُهَيْنةَ فيقول: من هذه؟ فأقول جهينة، فيقول: مالي ولجهينة، كذلك حتى أقبل موكبُ رسولِ الله والكتيبةُ الخضراءُ وفيها رسول الله والمهاجرون والأنصار في الحديد لا يُرى منهم إلَّا الحَدَقُ


(١) "المغازي" ٢/ ٨١٦ - ٨١٨.