الماء ويجري على رمال هناك وبين جبال، ثم يخرق أرضَ السودان ثم يصبُّ في بحر الزَّنْج، وفي هذا البحر قنبلو وهي عامرة، وفيها قوم مسلمون لغتهم زَنْجية غلبوا على أهل الجزيرة عند انقراض مُلْك بني أمية وابتداء الدولةِ العباسية، ومن ذلك البحر الذي فيه قنبلو يصبُّ في بحرِ عُمان. ومن جبل القمر إلى هذه الجزيرة مسيرة خمس مئة فرسخ ويقوى جريانُ مصبِّه في هذا البحر أيامَ زيادةِ النيل، فيجري جريانًا عظيمًا ويتكدَّر موضع العيون، حتى قيل: إن الماء يؤثِّر لونه في لون البحر ويكون ماؤه أحلى من العسل.
وقال كعب الأحبار: وجدت في التوراة أنَّ النيل نهر العسل من الجنَّة، وأنه يجري على بلاد الحبشة في قِفار ومَفاوز ومهامه (١) ليس فيها مسلك.
وذكر أحمد بن بختيار وقال: العين التي هي أصلُ النيل هي أولُ العيون من جبل القمر، ثم ينبعث منها عشرةُ أنهار، نيل مصر أحدها، قال: والنيل يقطع الإقليمَ الأول ثم يجاوزه إلى الثاني، ومن ابتدائه من جبل القمر إلى انتهائه إلى البحر الرومي ثلاثة آلاف فرسخ يجري في عامر وغامر، فإذا تعدَّى الفسطاط انقسم قسمين: قسم يمر إلى دمياط وقسم يمر إلى رشيد، فيصبان في بحر الروم، وقيل: إنه لا يعلم مسافة جريانه إلا الله ﷿.
ويبتدئ بالزيادة في نصف حَزيران وينتهي في أيلول، واختلفوا في سبب زيادته ونقصانه: فقال قوم: لا يعلم ذلك إلا الله تعالى، وقال آخرون: سببه زيادةُ عيونِهِ ونقصانها، وقال آخرون: الظاهر أن سبب زيادته كثرةُ المطر والسيولِ، تمطر بلاد الحبشة والنوبة فيزيد، وإنما يتأخر وصوله إلى الصيف لبعد المسافة، وقد ردَّ قوم هذا وقالوا بأنَّ عيونه التي تحت جبل القمر تتكدر في أيام زيادته، فدلَّ على أنه فعل الله تعالى من غير زيادة بالمطر.
وجميع المياه تجري إلى القبلة إلَّا هو؛ لأنه خارج عن خطِّ الاستواء، فيجري إلى ناحية الشمال، وكذا العاصي بالشام يجري إلى غير القبلة، قالوا: وفي الهند أنهار