فقال جبار بنُ صَخْرٍ: أرى أن نَسري ليلًا على خيلنا والعبدُ معنا حتى نصَبِّحَهُم، فقال: سيروا واجعلوا العبد دليلًا وهو مكتوف يردفه بعضهم عقبه، فلما ابهارَّ الليل وقف وقال: أخطأت الطريق وتركْتُها ورائي فرجع بهم مقدارَ ميل ثم قال: أنا على خطأ، فقال علي رضوان الله عليه: أنا منك على خُدَعة، قدَّموه فاضْرِبوا عنقه. فلما رأى السيف قال: أرأيتكم إن صدقتكم أينفعني؟ قالوا: نعم، قال: فإني صنعت ما رأيتم لأنه أدركني ما يدرك الناس من الحياءِ فقلتُ: أقبلتُ بالقوم أدلهم على الحي من غير مِحْنَةٍ، فلما عايَنْتُ القتل كان لي عذرٌ، الحيُّ منكم قريب. فتَسمَّعوا نُباحَ الكلاب، فصبَّحوهم وَقت السَّحَر وسَبَوْا وأخذوا النساء والأموال، فنظرت جاريةٌ إلى العبد وهو موثوق فقالت: هذا عمل رسولِكم أَسْلَمَ، فقال: يا ابنة الأكارم والله ما فعلت حتى قُدّمْتُ لتُضْرَبَ عنقي.
وأصابوا أُخْتَ عدي بن حاتم فعزلوها ناحِيةً (١).
وقال هشام: جعل رسول الله ﷺ أخت حاتم في حظيرة، فمرَّ بها رسول الله ﷺ فنادته: يا محمد أنا ابنةُ سيد قومي، كان أبي يحمي الذِّمارَ، ويفكُّ العاني، ويَقْري الضَّيْفَ، ويُشْبعُ الجائع، ويُطْعِمُ الطعامَ، ولم يردَّ طالبَ حاجةٍ قط. فقال لها رسول الله ﷺ:"هذه صِفَةُ المؤمنينَ، لو كانَ أَبوكِ مُؤمنًا تَرحَّمنا عليه، أَطلِقُوا عنها، فإنَّ اللهَ يُحبُّ مكارِمَ الأَخلاقِ".
* * *
وفي ربيع الآخر قدم وفْدُ تُجيب، وكانوا ثلاثة عشر، ساقوا صدقاتِ أموالِهم إلى رسولِ الله ﷺ فسُرَّ بهم وأنزلهم وأحسن إليهم وأجازهم بأكثر مما كان يجيزُ الوفود، وقال:"هل بقي منكم أحد"؟ قالوا: غلام خَلَّفْناهُ في رحالنا، فدعاه وقال:"ما حاجتُكَ"؟ فقال: أن تدعو لي بأن يغفر الله لي ويجعل غِنايَ في قلبي، فدعا له، وأمر أن يُعطى مثل ما أعطى واحدًا مِنْهم، ورجعوا إلى بلادهم، ثم وافَوْا رسول الله ﷺ بالموسمِ سَنَةَ عشر فسألهم عن الغلام، فقالوا: ما رأينا أقنع منه بما رزقه الله تعالى،