للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفيها: كانت سرية علقمة بن مُجَزِّز المُدْلجي إلى جُدَّة في ربيع الآخر (١)، بلغ رسول الله أن ناسًا من الحبشة تَراآهُمْ أهلُ الشُّعَيْبَةِ: - ساحلٍ بناحية مكَّةَ - في مراكِب، فبعث علقمةَ في ثلاث مئة رجلٍ، فانتهى إلى جزيرة في البحر، فخاضَ الماءَ إليهم فهربوا مِنه فانْصَرف، فلما كان ببعض المنازل استأذنه بعض الجيش في الانصراف حيث لم يَلْقَوا كَيْدًا، فأذِنَ لهم، وأمّر عليهم عبدَ الله بنَ حُذافةَ السَّهْمي، وكان فيه دُعابةٌ فنزلوا ببعض [الطريق] وأوقدوا نارًا يصطلون بها، فقال عبدُ الله: عزمت عليكم إلا تواثبتُم في هذه النار، فقام بعض القوم فتحجَّزوا حتى ظن أنهم واثبون فيها قال: اجلسوا، إنما كنت أضحك معكم، فذكر ذلك لرسول الله فقال: "مَن أَمَركُم بمَعصِيَةٍ فَلا تُطيعُوهُ" (٢).

وفيها: كانت سرية علي في ربيع الآخر إلى الفُلْسِ (٣) صنمِ طيّئ، بعثه رسولُ الله في خمسين ومئة رجلٍ من الأنصار على مئة بعير وخمسين فرسًا، فأجنبوا الخيل واعتقبوا الإبلَ حتى أغاروا على حيٍّ من أحياء العرب، وسألوا عن محلَّةِ آلِ حاتمٍ فَدُلُّوا عَليها، فشنُّوا الغارة مع الفجر فسَبَوْا حتى ملؤوا أيديهم من السبي والنَّعم والشاء، وهَدَموا الفلْسَ وكان صنمًا لطيء.

وفي رواية: خرج ومعه رايةٌ سوداء مع سهل، ولواء أبيض مع جبار بن صخر، وبين يديه دليلٌ خِرِّيتٌ، فسلكَ بهم طريق فَيْد، فلما انتهى بهم إلى موضع قال: قد بقي بينكم وبين الذي تُريدون يوم، فإن سرتم نهارًا رآكم رعاؤهم فيُنذِروا بكم، ولكن أَقيموا يومكم ها هنا ونمشي ليلتنا فَنُصَبِّحُهم في عماية الصبح، فنزلوا وسرَّحوا إبلهم، فبعث علي رضوان الله عليه أبا قتادة والحُبابَ بنَ المنذر وأبا نائلة على خيولهم يطوفون حول العسكر، فوجدوا غُلامًا أسودَ، فقالوا: من أنت؟ فقال: أطلب بُغْيتي، فأتَوْا به عَليًّا فشدد عليه، فقال: أنا غلام من طيء، بعثوني إلى هذا المكان وقالوا: إن رأيت خيل محمد فَطِرْ إلينا. فقال علي رضوان الله عليه: ما ترَوْنَ؟


(١) "السيرة" ٢/ ٦٣٩ - ٦٤٠، و"المغازي" ٣/ ٩٨٣، و"الطبقات" ٢/ ١٤٩، و"المنتظم" ٣/ ٣٥٩.
(٢) أخرجه أحمد في "مسنده" (١١٦٣٩).
(٣) "المغازي" ٣/ ٩٨٤، و"الطبقات" ٢/ ١٥٠، و"المنتظم" ٣/ ٣٦٠.