للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

في وادٍ فقلت: أنا في جوار عظيم هذا الوادي الليلة، فناداني منادٍ: عُذْ بالله، فإن الجن لا تجترئ على الله؛ قد خرج الرسولُ الأمين، وصلينا خلفه بالحَجونِ وأسلمنا واتَّبعناه، وذهب كيد الجن ورميت الشياطين بالشهب، فانْطَلِقْ إلى محمد ، فلما أصبحتُ أتيتُ دَيْرَ أيوب وفيه راهبٌ فأخبرته، فقال: صدقَ، نجدُهُ يخرج من الحرم، وهو خير الأنبياء فلا تُسْبَقْ إليه. فقدمت على رسول الله المدينةَ فأسلمت (١).

وهو أول من قصَّ في أيام عمر رضوان الله عليه، فقال له: ما تقولُ؟ قال: أقْرأ عليهم القرآن وآمرهم بالخَيْرِ وأنهاهم عن الشر، قال: افعل، فكان يقصُّ يومًا واحدًا في الجمعة، فلما قام عثمان رضوان الله عليه استزاده يومًا آخر (٢).

ومرّ به عمر رضوان الله عليه وهو يقص ومعه ابن عباس، فقال له: سَلْه عن زلَّةِ العالِمِ، فقال تميم: لأن العالِمَ إذا زلَّ زلَّ الناسُ فيؤاخَذ بهم (٣)، فقال عمر : أحسنت.

وقال أبو سعيد الخدري: أول من أسرج المسجدَ تميمٌ الداري (٤).

وسكن تميمٌ دمشقَ، ثم انتقل إلى فلسطين، فتوفي بها سنة أربعين، قاله الشيخ جمال الدين أبو الفرج بن الجوزي رحمه الله تعالى، وقبره ببيت حبرون.

وروى الحديث عن النبي ، وروى عنه من الصحابة: ابن عباس وأنس وأبو هريرة وغيرهم، وقدم مصر لغزو البحر فروى عنه جماعة من المصريين، وأخرج له الإمام أحمد رحمة الله عليه في "المسند" ثمانية أحاديث.

وقد روى رسول الله حديث الجسَّاسةِ عن تميم الداري: كانت فاطمة بنت قيس من المهاجرات الأُوَلِ، وسألها الشَّعْبيُّ - واسمه عامرُ بن شَراحيل من شَعْب هَمْدان - فقال: حدثيني حديثًا سَمِعتيه من رسولِ الله لا تُسْنديه إلى أحدٍ غيره، فقالت: لئن


(١) "الطبقات" ٦/ ٢٥٥.
(٢) أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" (٥٤٠٠) من حديث الزهري، وأحمد في "مسنده" مختصرًا (١٥٧١٥) من حديث السائب بن يزيد.
(٣) أخرجه ابن المبارك في الزهد (١٤٤٩)، والخطيب في "الجامع لآداب الراوي" (٣٨٩).
(٤) أخرجه ابن ماجه (٧٦٠).