أتاه ثانيًا وثالثًا، فقال: يا رسولَ الله، ادعُ الله أن يرزقني مالًا، فوالذي بعثكَ بالحقِّ لئن رزقني الله مالًا لأؤدِّيَنَّ إلى كلِّ ذي حقٍّ حقَّه. فقال رسول الله ﷺ:"اللَّهم ارزُقْ ثعلبةَ مالًا" قالها مرتين، فاتَّخذ غَنَمًا فنمت كما يَنْمو الدودُ، وضاقت عليه المدينةُ فتنحى عَنْها، ونزل واديًا من أوديتها وهي تزداد، وكان يصلِّي مع رسول الله ﷺ الظُّهرَ والعَصْرَ ويصلي في غنمه باقي الصلوات، ثم كثرت فتباعد عن المدينة وانقطع عن الصلوات والجُمَعِ، فسأل رسول الله ﷺ عنه ذات يوم فقال:"ما فَعَل ثَعلبةُ"؟ فقالوا: يا رسول الله، كَثُرَ ماله فأبْعَد عن المدينة، فقال:"يا وَيحَ ثعلبةَ"، وأنزل الله آية الصدقات، فبعث رسول الله ﷺ رجلًا من بني سُلَيم وآخر من جُهينةَ على الصدقات وقال لهما:"مرَّا بثعلبةَ وببني سُلَيم"، فمرَّا بثعلبةَ فقرآ عليه أسنان الصدقة، فقال: ما هذه إلّا جزية، انطلِقا حتَّى تفرُغا ثم عودوا إليَّ، فذهبا إلى بني سُليم فاستقبلهما رجل من بني سُليم بصدقته وقد عزل لهما خِيارَ ماله، فقالا: ما هذا عليك، فقال: خُذَاها طيِّبةً من نفسي. وعادا إلى ثعلبةَ فلم يعطهما شيئًا، وقال: حتَّى أرى رأيي. وأقبلا لمّا رآهما رسول الله ﷺ فقال قبل أن يتكلما:"يا وَيحَ ثعلبةَ" مرتين، فأخبراه بقول ثعلبة وفِعلِ السُّلمي، فأنزل الله في ثعلبة: ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ﴾ [التوبة: ٧٥] الآيات وعند النبي ﷺ رجل من أقارب ثعلبة، فخرج حتَّى أتاه فقال: ويحكَ يا ثعلبُ، قد أنزل الله فيكَ كذا وكذا، فخرج ثعلبة حتَّى أتى النبي ﷺ فسأله أن يقبل صدقته، فقال:"إنّ الله مَنَعني أن أَقبَلَ صدقَتكَ" فحثى الترابَ على رأسه وجعل يبكي، فقال له رسول الله ﷺ:"هذا فِعْلُكَ بنَفْسكَ، قد أَمَرتُكَ فلم تُطِعْني". وتوفي رسولُ الله ﷺ ولم يقبلْ منه شيئًا، ولما وَلِيَ أبو بكرٍ ﷺ أتاه فعرض عليه أَخْذَ الصَّدقةِ فقال: لم يأخُذْها مِنْكَ رسولُ الله ﷺ أفآخذها منك أنا؟ ثم مات أبو بكر ﵁، وقام عمر ﵁ فجاءه يعرِضُها عليه، فقال له كذلك، ثم قام عثمان ﵁ فجاءه فعرضها عليه، فقال: لم يقبلها رسول الله ﷺ ولا أبو بكر ولا عمر، أفأقْبَلُها أنا؟ ولم يأخذ منه شيئًا، فمات في أيام عثمان ﵁(١).
* * *
(١) أخرجه الطبراني في "الكبير" (٧٨٧٣)، والبيهقي في "الدلائل" ٥/ ٢٨٩، وفي "الشعب" (٤٣٥٧) وقال: وفي إسناد هذا الحديث نظر، وهو مشهور فيما بين أهل التفسير، وإنما يروى موصولًا بأسانيد ضعاف.