للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عنده رهط يبكون، - أو يبكي بعضهم -، فجلست قليلًا، ثم غَلَبني ما أجد، فأتيت الغلام، فقلت: استأذن لعمر، فدخل، ثم خرج، فقال مثل الأول، ثم فعلت ذلك الثالثة، فقال لي مثل ذلك، فوليت مدبرًا، فإذا الغلام يدعوني، فقال: ادخل، فقد أذن لك، فدخلت على رسول الله فسلمت عليه وهو متكئ على رمال حصير قد أثَّر في جنبيه، فقلت: يا رسول الله، أطلقت نساءك؟ فرفع رأسه إلي، وقال: "لا"، فقلت: الله أكبر، لو رأيتنا يا رسول الله، وكنا معاشر قريش نغلب النساء، فلما قدمنا المدينة وجدنا قومًا تغلبهم نساؤهم، فطفق نساؤنا يتعلمن منهن، فغضبت يومًا على امرأتي، فإذا هي تراجعني، وذكر بمعنى ما ذكرنا، قال: فتبسم رسول الله فقلت: أستأنسُ يا رسول الله؟ قال: "نَعَم"، فجلست، ورفعت رأسي في البيت، فوالله ما رأيت شيئًا يرد البصر إلا أهبة (١) ثلاثة، فقلت: يا رسول الله، ألا تدع الله أن يوسع عليك وعلى أمتك، فقد وسع على فارس والروم وهم لا يعبدونه، فاستوى جالسًا، ثم قال: "أَفي شَكٍّ أنتَ يا ابنَ الخطَّابِ؟ أُولئكَ قَومٌ عُجِّلَت لهم طَيِّباتُهم في الحياةِ الدُّنيا" فقلت: استغفر لي يا رسول الله، وكان أقسم أن لا يدخل على نسائه شهرًا لأجل ذلك الحديث حين أفشته حفصةٌ إلى عائشة من شدة موجدته عليهن حين عاتبه الله عليه.

قال الزهري: فأخبرني عروة، عن عائشة قالت: لما مضت تسع وعشرون ليلة بدأ بي رسول الله فدخل علي فقلت: يا رسول الله، إنك أقسمت أن لا تدخل على نسائك شهرًا، أو علينا، وإنك دخلت عن تسع وعشرين، أعدُّهن، فقال: "إنَّ الشَّهرَ تسعٌ وعِشرونَ" وفي رواية: وكان ذلك الشهر تسعًا وعشرين ليلة، ثم قال: "يا عائشةُ، إنَّي ذاكرٌ لكِ أَمرًا، فلا عليكِ ألَّا تَعجَلي حتَّى تَستَأمِري أبوَيكِ"، ثم قرأ ﴿يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا﴾ إلى قوله: ﴿أَجْرًا عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: ٢٨ - ٣٥] فقالت: قد علم والله أنَّ أبوي لم يكونا ليأمراني بفراقه، فقلت: أفي هذا أستأمر أبوي؟ فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة، ثم قلت: يا رسول الله، لا تخبر نساءك أني اخترتك، فقال: "إنَّ اللهَ أَرسَلَني مُبَلِّغًا، ولم يُرسِلني مُتَعنَّتًا"، وقال عمر لحفصة: والله لقد علمت أن رسول الله لا يحبك، ولولا أنا لطلقك، واستأذن عمر


(١) في (ك) زيادة: "والأهبة هي الجلد لم يدبغ".