فاستعمل على الحج أبا بكر رضوان الله عليه، فخرج من المدينة في ثلاث مئة، ومعه عشرون بدنة قلَّدها رسول الله ﷺ النعال، وأشعرها بيده في الجانب الأيمن، واستعمل عليها ناجية بن جُنْدب الأسلمي، وساق أبو بكر خمس بدنات، وحج عامئذ عبد الرحمن بن عوف ﵁، فأهدى بدنًا، وأهلَّ أبو بكر رضوان الله عليه من ذي الحُلَيفة، وسار حتَّى إذا كان بالعَرْج في السحر سمع رُغاء ناقة رسول الله ﷺ القصواء، فقال: هذه القَصْواء، وإذا بعليٍّ كرم الله وجهه فقال له: استعملك رسول الله ﷺ على الحج؟ قال: لا، ولكن بعثني أقرأ على الناس براءة، وأنبذ إلى كل ذي عهد عهده، وقد كان رسول الله ﷺ عهد إلى أبي بكر رضوان الله عليه أن يخالف المشركين، فيقف يوم عرفة بعرفة، ولا يقف بجمع، ولا يدفع من عرفة حتَّى تغرب الشمس، ويدفع من جمع قبل طلوع الشمس، فقدم أبو بكر رضوان الله عليه مكة، وكان مفردًا بالحج، فخطب الناس قبل يوم التروية بيوم بعد الظهر، فلما كان يوم التروية حين زاغت الشمس طاف بالبيت سبعًا، ثم ركب راحلته من باب بني شيبة، وخرج إلى منًى، فأقام بها، وصلى الظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، والصبح بمنًى، فلما طلعت الشمس على ثبير، ركب راحلته، فوقف بالهضبات من عرفة، فلما أفطر الصائم دفع، وكان يسير العَنَق حتَّى انتهى إلى جَمْع، فنزل قريبًا من الماء التي على قزح، فلما طلع الفجر صلى الفجرَ، ثم وقف، فلما أَسفَر دفع، وجعل يقول في وقته: أيها الناس، أَسفروا، قالها مرتين، ثم دفع قبل طلوع الشمس، وكان يسير العَنَق، حتَّى انتهى إلى مُحَسَّر، فأوضع راحلته، فلما جاوز وادي محسر عاد إلى مسيره الأول، حتَّى رمى الجمرة راكبًا بسبع حصيات، ثم رجع إلى المنحر، فنحر وحلق، وقرأ علي بن أبي طالب ﵁ يوم النحر براءة عند الجمرة، ونبذ إلى كل ذي عهد عهده، وقال: إن رسول الله ﷺ يقول: "لا يحجُّ بعدَ هذا اليومِ مُشركٌ، ولا يطوفُ بالبيتِ عُريانٌ"، وكان أبو هريرة يقول: حضرت ذلك اليوم، فكان يقول: هو يوم الحح الأكبر، وخطب أبو بكر رضوان الله عليه في حجته ثلاث خطب في ثلاثة أيام لم يزد عليها، قبل يوم التروية بمكة بعد الظهر، وبعرفة قبل الظهر، وبمنًى يوم النحر بعد الظهر، ورمى أبو بكر رضوان الله عليه الجمار ماشيًا، فلما كان يوم الصَّدَر رمى ماشيًا، فلما جاوز العقبة ركب، ويقال: إنه رمى يومئذ راكبًا، فلما انتهى إلى الأبطح صلى به الظهر والعصر، ودخل مكة، فصلى المغرب