ولكِن أجعلُ لك أعنَّة الخيلِ" فقال: أوليست لي؟ ثم قال: يا محمد، والله لأملأنها عليك خيلًا ورَجِلًا، ولأربطن بكل نخلة فرسًا، فقال رسول الله ﷺ: "اللَّهمَّ اكْفِنِي عامرًا وأربد، واهد بني عامر، واهد للإسلام عامرًا، وأغنِ الإسلام عن عامرٍ"، ثم انصرفوا إلى بلادهم حتَّى إذا كانوا ببعض الطريق، بعث الله على عامر بن الطفيل الطاعونَ في عُنقه، فاندلع لسانُه في فيه كضرع الشاة، فمال إلى بيت امرأة من سلول، وجعل يقول: غُدة كغدة البعير، والموت في بيت سلولية، ثم مات، وكان من فرسان العرب، فواراه أصحابه، وجعلوا على قبره أنصابًا ميلًا في ميل، وجعلوه حمًى، ولما رجعوا إلى قومهم، قالوا: ما وراءك يا أربد؟ فقال: لقد دعانا إلى عبادة شيء لوددت أنَّه عندي فأرميه بنبلي هذه حتَّى أقتله، فخرج بعد مقالته بيوم أو يومين ومعه جمل، فأرسل الله تعالى عليه وعلى جمله صاعقة فأحرقتهما، وذلك ببركة رسول الله ﷺ وكان أَربد أخو لبيد بن ربيعة لأمه. وقال رسول الله ﷺ: "لو أسلَمت عامرٌ لزاحَمَت بنو عامرٍ قُريشًا في بِرِّها".
وفد كندة، ورئيسهم الأشعثُ بن قيس، قدم على رسول الله ﷺ في ثمانين راكبًا أو ستين من كندة، فدخلوا على رسول الله ﷺ مسجده، وقد رجَّلوا جُمَمهم، وكحلوا عيونهم، ولبسوا جِبابَ الحِبَرات مكفوفةً بالحرير، فقال رسول الله ﷺ: "أَوَلم تُسلموا؟ " قالوا: بلى، فقال: "فما بالُ هذا الحرير في أعناقِكُم؟ " فنزعوه، فقال الأشعث: يا رسول الله، نحن بنو آكل المرار، وأنت ابن آكل المرار، فضحكَ رسول الله ﷺ وقال: "نحن بنو النَّضر بن كنانَةَ لا نَنتَفي من أَبِينا، ولا نَقْفُوا أُمَّنا، ولكن انسُبوا هذا النَّسب للعباس بن عبد المطلب وربيعة بن الحارث، كانا تاجرين، فكانا إذا سارا في الأرض سئلا: من أنتما؟ فقالا: نحن بنو آكل المُرار، فيدفعون بتلك عن أنفسهم، لأن مَن أكل المُرار من كندة كانوا ملوكًا"، فقال الأشعثُ عند ذلك: أفرغتم يا معاشر كندة؟ لا أسمع رجلًا يقولها بعد اليوم إلا ضربته ثمانين، ثم انصرفوا راجعين (١).