للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال الإمام أحمد رحمة الله عليه: حدَّثنا أبو عوانةَ، عن عبد الملك بن عُمير، عن ابن أبي العلاءِ، عن أبيه أنَّ النبيَّ خطَبَ يومًا فقال: "إنَّ رجلًا خيَّره ربه ﷿ بينَ أن يَعيشَ في الدُّنيا ما شاءَ أن يَعيشَ فيها، ويَأكُلَ منها ما شاءَ أن يَأكُلَ، وبينَ لقاءِ ربِّه، فاختارَ لقاءَ رَبِّه"، قال: فبَكى أبو بكر، فقال أصحاب رسول الله : لا تعجبون من هذا الشيخ يبكي أن ذكر رسول الله رجلًا صالحًا خيَّره ربه بين لقائه وبين الدنيا، فاختار لقاء ربه، وكان أبو بكر أعلمهم بما قال رسول الله فقال أبو بكر: بل نفديك يا رسول الله صلى الله عليك بأموالنا وآبائنا، فقال رسول الله : "ما مِنَ الناسِ أَحَدٌ أَمنَّ علينا في صُحبتِه وذاتِ يَدهِ مِنِ ابنِ أَبي قُحافَةَ، ولو كُنتُ متَّخذًا خَليلًا اتَّخذتُ ابنَ أبي قُحافَةَ، ولكنْ ودٌّ وإخاءُ إيمانٍ - قالها مرتين - ولكنْ صاحبُكم خليلُ اللهِ تعالى" (١).

وفي هذا المرض نبغ مسيلمة والأسود العنسي [حدثنا أبو الطاهر الخزيمي بإسناده] عن ابن عباس قال: خرج رسول الله في مرضه عاصبًا رأسه، فصعد المنبر، فحمد الله، وقال: "أيُّها الناسُ، رأيتُ في مَنامي كأنَّ سِوارَيْن مِن ذَهَبٍ في يَدِي، فَكَرِهتُهما، فَنَفختُهما، فطارَا، فأَوَّلتُهما هذين الكذَّابين: صاحبِ اليمامَةِ، وصاحبِ اليمنِ" (٢).

وفي هذا المرض اقتصَّ من نفسه .

[قال ابن سعد بإسناده، عن جعفر بن برقان، حدثني رجل من أهل مكة قال:] دخل الفضل بن العباس على رسول الله في مرضه الذي مات فيه، فقال: "يا فضلُ، اشْدُد رأسي بهذه العِصابةِ"، فشدّه، وأخذ الفضلُ بيده، فدخل المسجد، وصعدَ المنبرَ، فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: "أَيُّها الناسُ، إنَّما أَنا بشَرٌ مثلُكُم، فأَيُّما رجلٍ جَلدتُ له ظَهْرًا فَهذا ظَهرِي، وأَيُّما رجلٍ أَصبتُ من عِرضِه فهذا عِرضي، ومِن بَشَرِه فهذا بَشَري فلْيَقتصَّ منِّي، أو مِن مالِه فَهذا مَالي، واعْلَمُوا أنَ أَوْلَاكُم بي رجلٌ كانَ له مِن ذلك شيءٌ فأخَذَه وحلَّلني، فَلقيتُ ربَّي وأنا محلَّل، ولا يقولُ أَحدُكُم: إنِّي أخاف العَدَاوةَ والشحناءَ من رسولِ اللهِ فإنَّهما ليسَا من طَبيعَتِي ولا من خُلُقي" فقام رجل،


(١) أخرجه أحمد في "مسنده" (١٥٩٩٢٢).
(٢) أخرجه البخاري (٣٦٢١)، ومسلم (٢٢٧٤)، وعندهما عنه عن أبي هريرة، وانظر "المسند" (٢٣٧٣).