للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإما أن نبايعهم على ما لا نرضى، وإما أن نخالفهم فيكون فسادًا، فمن بايع أميرًا عن غير مشورة من المسلمين فلا بيعة له ولا بيعة للذي بايعه تغرَّة (١) أن يقتلا.

والرجلان اللذان لقياهم: عويم بن ساعدة، ومعن بن معدي، والذي قال: أنا جُذيلها المحكَّك وعذيقها المرجَّب الحبابُ بن المنذر (٢).

وقال أنس بن مالك: لما توفي رسول الله اجتمعت الأنصار في سقيفة بني ساعدة، وقالوا: نولي هذا الأمر سعد بن عبادة، فأخرجوه، وهو مريض، فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: يا معاشر الأنصار، إن لكم سابقة في الدين وفضيلة في الإسلام ليست لقبيلة من العرب، إن محمدًا لبث في قومه بضع عشرة سنة يدعوهم إلى عبادة الرحمن، فما آمن له إلا قليل، والله ما كان من آمن له يستطيعون أن يمنعوه ولا أن يدفعوا عنه ولا عن أنفسهم ضيمًا حتى أراد الله بكم الفضيلة، وساق إليكم الكرامة، وخصكم بالنعمة، فرزقكم الإيمان بالله ورسوله، وأنتم أحق بهذا الأمر، وإن لم ترض قريش فمنهم أمير ومنا أمير، فقال سعد: هذا والله أول الوهن.

وبلغ أبا بكر وعمر الخبر فجاءا إلى السقيفة، وذكر بمعنى ما تقدم، قال: وخطب أبو بكر، فقال: نحن المهاجرون الأولون أول الناس إسلامًا، وأكرمهم إحسانًا، وأوسطهم دارًا، وأحسنهم وجوهًا، وأمسهم رحمًا برسول الله قدمنا الله عليكم فقال: ﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ﴾ [التوبة: ١٠٠] وأنتم شركاؤنا في الفيء وأنصارنا على عدونا، فلا تنفسوا علينا ما منحنا الله به دونكم، ولا ننكر سابقتكم، ألا نحن الواسطة من القلادة وعِتْرَةُ رسول الله وأصله، وذكر كلامًا طويلًا.

فقال الحُباب: دعوا هذا، منا أمير ومنكم أمير، فقال عمر: هيهات، لا يجتمع فحلان في شرك، ولا ترضى العرب أن تنافروا عليها وبينها حكم من غيركم، ونحن أولياؤه وعترته.


(١) أي: خوفًا.
(٢) أخرجه ابن هشام في "السيرة" ٢/ ٦٥٧ - ٦٥٨، وأحمد في "مسنده" (٣٩١) وقوله: "جذيلها المرجب: الجذيل: تصغير جذل، وهو العود الذي ينصب للإبل الجربي لتحتك به، أي: أنا ممن يستشفى برأيه كما تستشفى الإبل الجربي بالاحتكاك بهذا العود، والعذيق: هو النخلة، والمرجب: يقال: رجَّبتُ النخلة إذا أسندتها إلى خشبة ذات شعبتين لكثرة حملها، أي: أنا الذي ينبغي الرجوع إلى قوله.