فقال الحُباب: يا معاشر الأنصار، لا تسمعوا مقالة هذا وأصحابه فيذهبوا بنصيبكم من هذا الأمر، فإن أبوا عليكم فأجلوهم من بلادكم وتَولَّوه، فأنتم أحق به منهم، لأن ناسًا منكم (١) فأما والله لئن شئتم لنعيدنها جَذعة، فقال له عمر: إذًا يقتلك الله، فقال: بل إياك يقتل.
فقام بشير بن سعد أبو النعمان بن بشير، فقال: يا معاشر الأنصار، لئن كنا أول من سبق إلى هذا الدين وجهاد المشركين فما قصدنا إلا رضى الله ورسوله، فلا ينبغي لنا أن نستطيل على الناس، ولا نطلب عرض الدنيا، وإن قريشًا أولى بهذا الأمر منا، فلا ننازعهم.
فقال له الحباب: أنفست على ابن عمك، يعني سعد بن عبادة، فقال: لا والله، ولكني كرهت أن أنازع قومًا حقًّا جعله الله لهم، ثم قام أسيد بن حضير، فقال هو وبشير: يا أبا بكر مد يدك، فبسطها، فبايعاه، وتبايع الناس، فانكسر على سعد أمره، وكادوا يطؤون سعدًا، فقال ناس من أصحابه: اتقوا سعدًا لا تطؤوه، فقال عمر: اقتلوا سعدًا قتله الله، ثم قام عمر على رأس سعد، وقال: لقد هممت أن أطأك حتى يندر عضوك، فأخذ قيس بن سعد بلحية عمر، وقال: والله لو حصصت منه شعرة ما رجعت وفي فيكَ جارحة، فقال أبو بكر: مهلًا يا عمر الرفق الرفق فهو ههنا أبلغ، فقال سعد: أما والله لو كان لي قوة على النهوض لسمعتم مني في أقطارها وسككها [زئيرًا يُجحرك وأصحابك] حتى ألحقك بقوم كنت فيهم تابعًا غير متبوع، ثم عاد أبو بكر وعمر إلى مكانهما، وبعثا إلى سعد بن عبادة: بايع فقد بايع الناس، فقال للرسول: لا والله حتى أرميكم بما في كنانتي من نبلي، وأخضب من دمائكم سنان رمحي، وأضربكم بسيفي ما ملكته يداي، وأقاتلكم بأهل بيتي ومن أطاعني من قومي، والله لو اجتمع لكم الجن والإنس لما بايعتكم، فلما عاد الرسول فأخبرهم بما قال، قال له عمر: لا تدعه حتى يبايع، فقال بشير بن سعد: دعه فقد لج، وليس بمبايعكم حتى يقتل ويقتل معه قيس ولده وأهله ومن أطاعه من قومه، فاتركوه، فتركوه، فكان سعد لا يحضر معهم، ولا
(١) كذا في (أ، خ)؟! وفي الطبري ٣/ ٢٢٠: فأنتم والله أحق بهذا الأمر منهم، فإنه بأسيافكم دان لهذا الدين من دان.