للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قالوا: بلى الآن ذكرنا، فقال: ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا﴾ [النحل: ٩٢]، ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا﴾ [آل عمران: ١٠٣]، ثم أخذ بيد أبي بكر، فبايعه، وبايع الناس، واجتمع أمر المسلمين، وصاروا يدًا واحدة، ولم يغب عن تلك البيعة أحد ممن يُؤْبَه له إلا علي بن أبي طالب، والزبير، وسلمان الفارسي، والمقداد بن الأسود، وأبو ذر الغفاري، فرجع الناس على ذلك يومهم، حتى إذا كان من الغد خرج أبو بكر، وذلك يوم الجمعة، فقال: اجمعوا لي المهاجرين والأنصار، فاجتمعوا، ثم أرسل إلى علي بن أبي طالب فأتاه والنفر الذين كانوا تخلفوا معه، فقال: ما خلفك يا علي عن أمر الناس؟ فقال: خلفني عظم المصيبة، ورأيتكم استغنيتم برأيكم، فاعتذر إليه أبو بكر لخوف الفتنة وتفاقم الحدثان، وإن كنت والله لها كارهًا وما شَهِدَها أحد أحب إلي أن يشهدها [منك]، ثم أشرف على الناس، وقال: أيها الناس، هذا علي بن أبي طالب، فلا بيعة لي في عنقه، وهو بالخيار من أمره، ألا وأنتم بالخيار جميعًا في بيعتكم، فإن رأيتم لها غيري فأنا أول من أبايعه، فلما سمع ذلك علي تحلل عنه ما كان قد دخله، فقال: أجل لا نرى لها غيرك، مد يدك، فبايعه هو والنفر الذين كانوا معه (١).

وهذا دليل على أن عليًا بايع أبا بكر بعد وفاة رسول الله بثلاثة أيام، ودل عليه أيضًا ما ذكره ابن سعد فإنه قال:

حدثنا وكيع، عن أبي بكر الهذلي، عن الحسن قال: قال علي بن أبي طالب: لما قُبِض رسول الله نظرنا في أمرنا، فوجدنا رسول الله قد قدَّم أبا بكر في الصلاة، فرضينا بأمر رضيه رسول الله لديننا، فبايعنا أبا بكر (٢).

ولما بلغ أبا قحافة بمكة وفاة رسول الله قال أبو قحافة: من ولي بعده؟ قالوا: ابنك، قال: أرضيت بذلك بنو عبد شمس وبنو المغيرة؟ قالوا: نعم، قال: لا مانع لما أعطى الله، ولا معطي لما منع (٣).

وقيل: إن بيعة علي - رضوان الله عليه - أبا بكر رضوان الله عليه تأخرت إلى وفاة فاطمة .


(١) الاعتقاد والهداية للبيهقي ٣٥١.
(٢) "الطبقات" ٣/ ١٦٧.
(٣) "الطبقات" ٣/ ١٦٨.