للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولا ينقطع إلا من عذر، ويقول له بعد مجلسه: "صلاحُ الدين يوسفُ فتحَ الساحل وأظهرَ الإسلامَ، وأنتَ يوسف أحييت السنَّةَ بالشام" (١).

وكان شيخه موفق الدين عبد الله بن أحمد ابن قدامة المقدسي (٦٢٠ هـ) يحضر مجالسه دائمًا، ويفرح به، ويقول له: "قد أحيا اللهُ بك السُّنَّة، وقَمعَ البدعة، وهذه البلاد فتوحُكَ كما فتحَ القدسَ يوسفُ سَمِيُّك" (٢).

وكذلك شيخُه تاج الدين الكندي (٦١٣ هـ)، كان يداوم على حضور مجالسه ويقول له متفكهًا: "أنا قد أصبحتُ من زبون المجلس" (٣).

لقد أُنزلَ أبو المظفَّر -نتيجةَ وَعظهِ المتميز- منزلةً عاليةً عند الخاصة والعامة، مما جعل الكثيرَ من علماء عصره يبتعد عن هذا المجال ولا يقترب منه وحتى من فكَّر في التصدي للوعظ كان يجدُ من يثني عزمه ويُثَبِّطُ همته، يحدثنا الإمامُ الذهبيُّ في تاريخ الإسلام فيقول: "وحدَّثونا أن ابنَ الصلاح أراد أن يَعِظ، فقال له الملكُ الأشرفُ: لا تَفعل، فإنك لا تقدرُ أن تكون مثل شمسِ الدين ابن الجوزي، ودونَهُ فما يُرضى لك، فترك الوعظَ بعد أن كان تهيَّأَ له" (٤).

ولم يقتصر إعجابُ الناس بوعظ أبي المظفَّر على أهل بغداد ودمشق فحسب، بل ما زار مدينةً وعقد فيها مجلس وعظٍ إلا نال محبةَ أهلها وثِقَتَهم وتعلُّقَهم به، فقد وعظ في حلب، والموصل، والرُّها، وخِلاط، وحَرّان، والكَرك، والقُدس، ونابلس، والقاهرة والإسكندرية، ولقد حصل له بالإسكندرية قبولٌ عظيم، ذكره ضمن حوادث سنة (٦٤١ هـ)، فقال: "وكنتُ حينئذٍ بديار مصر، فقدمتُ الإسكندرية في هذه السنة، فوجدتها كما قال الله تعالى: ﴿ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ﴾ معمورةً بالعلماء، مغمورةً بالأولياء،


(١) مرآة الزمان ٢٢/ ٢٢١.
(٢) مرآة الزمان ٢٢/ ٢٦٦.
(٣) مرآة الزمان ٢٢/ ٢٠٨.
(٤) تاريخ الإسلام، وفيات سنة (٦٥٤ هـ).

<<  <  ج: ص:  >  >>