للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

جَليدًا، فكبَّر ورَفَع صوتَه بالتكبيرِ، فما زال يكبِّر ويرفعُ صوتَه بالتكبيرِ حتى اسْتَيقظَ لصوتِه رسولُ الله فشَكَى إليه الناسُ ما أَصابَهم، فقال: "لا ضَيْرَ، ارْتَحِلُوا" فارتحلُوا فسارَ غيرَ بعيدٍ، ثم نَزَل، فدَعَى بالوَضوءِ، فتوضَّأ، ونادَى بالصلاةِ فصلَّى بالناسِ، فلما انْفَتَل من صلاتِه إذا برجلٍ معتزلٍ لم يصلِّ مع القومِ، فقال: "ما مَنَعكَ أن تصلِّي؟ " فقال: أَصابَتني جنابةٌ ولا ماءَ، فقال رسولُ الله : "عَليكَ بالصَّعيدِ، فإنَّه كافِيكَ" ثم سارَ رسولُ الله فاشتكى إليه الناسُ العطَشَ، فنزَل، فدَعى فلانًا كان يسمِّيه أبو رجاء ونسيه عوفٌ، ودَعى عليًّا رضوان الله عليه وقال: "اذْهَبا فابْغِيا لنا الماءَ" فانْطَلقا فلَقِيا امرأةً بين مَزادَتين من ماءٍ على بعيرٍ لها، فقالا لها: أينَ الماءُ؟ قالت: عَهدي بالماءِ أمسِ هذه الساعةَ ونَفَرُنا خُلُوف (١)، قالا لها: انْطَلقي إذَن، فقالت: إلى أين؟ قالا: إلى رسولِ الله قالت: هذا الذي يُقال له: الصابئُ؟ قالا: هو الذي تَعنين، فانْطَلقي إذًا، فجاءا بها إلى رسولِ الله فحدَّثاه الحديث، فاسْتَنْزلُوها عن بَعيرِها، ودَعا رسول الله بإناءٍ، فأفرغَ فيه من أَفواهِ المزادَتَين، وأَوكَأَ أَفواهَهما، وأطلَقَ العزاليَ (٢)، ونودي في الناسِ أن اسقُوا واستَقُوا، فسَقى مَن شاءَ، واستَقَى من شاءَ، وكان آخر ذلك أن أَعطى الذي أصابَته الجنابةُ إناءً من ماءٍ، فقال: "اذهب فأَفرِغْهُ عليكَ"، قال: وهي قائمةٌ تَنظُر ما يُفعل بمائها، قال: وايْمُ اللهِ لقد أُقلِعَ عنها، وإنَّه ليخيل إلينا أنَّها أشد ملأَةً منها حينَ ابتدأَ فيها، فقال رسول الله : "اجمَعُوا لها طَعامًا" فجمَعُوا لها من بين عجوةٍ ودقيقةٍ وسَويقةٍ حتى جمعوا لها طعامًا كثيرًا وجَعلُوه في ثوبٍ، وحَملُوها على بَعيرها، ووَضَعوا الثوبَ بين يَديها، فقال لها رسول الله : "تَعلَمينَ واللهِ ما رَزئناكِ (٣) من مائِكِ شَيئًا، ولكن الله هو سَقانا" قال: فأتت أهلها وقد احتَبَست عنهم، فقالوا: ما حَبَسك يا فلانةُ؟ فقالت: العجبُ، لقيني رجلان، فذهَبا بي إلى هذا الذي يقال له: الصابئ، ففعل بي وبمائي كذا وكذا، الذي كان، فواللهِ إنَّه لأسْحَرُ من بين هذه وهذه، وأشارت بأصبعيها الوسطى والسبابة تَرفعها إلى السماءِ -


(١) "خلوف": جمع خالف: يقال لمن غاب.
(٢) "العزالي": هو مخرج الماء من المزادة.
(٣) "رزئناك": نقصناك.