للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الجبال فاغترَّ في نفسه، وقال: مَنْ مِثلي. ولم يسجد لآدم، فمسخه الله تعالى شيطانًا.

قلت: وظاهر الآيات يقتضي التعارض فينبغي التوقف، وقد قال: ﴿خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ﴾ [الأعراف: ١٢] وإذا كان مخلوقًا في الأصل من النار، فكيف يُخْلَقُ من النور، لأن الملائكة خُلِقوا من النور لما نذكر.

وذكر أبو جعفر الطبري (١): أن إبليس بُعِثَ حاكمًا في الأرضِ، فقضى بين الجنِّ ألفَ سنة، ثم عرَج إلى السماء فأقام يتعبّد حتى خُلِقَ آدم.

وقال شهر بن حوشب: كان إبليس من الجن الذين يعملون في الأرض بالفساد، فأسره بعض الملائكة فذهب به إلى السماء.

وقال قتادة: ﴿فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ﴾ [الكهف: ٥٠] خرج عن طاعته، والفسقُ الخروج، من قولهم: فسقتِ الرُّطَبة إذا خرجتْ من قشرها.

وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل بإسناده عن ثابت البناني قال: بلغنا أن إبليس ظهر ليحيى ، فرأى عليه معاليقَ من كل شيء، فقال له: ويحكَ ما هذه المعاليق؟ فقال: الشهواتُ التي أُصيبُ بها بني آدم، قال: فهل لي فيها من شيء؟ قال: ربما شبعتَ فتثقلُ عن الصلاة وتُغْلَبُ على الذكر، فقال يحيى: فللَّه عليَّ أن لا أملأَ بطني من طعام أبدًا. فقال إبليس: ولله عليَّ أن لا أنصحَ مسلمًا أبدًا (٢).

وبه، قال ابن عباس: قال: كان إبليس يأتي يحيى بن زكريا طمعًا أن يفتنه، وعرف ذلك يحيى منه، وكان يأتيه في صور شتَّى، فقال له: أحبُّ أن تأتيني في صورتك التي أنت عليها، فأتاه عليها فإذا هو مشوَّه الخلق كريهُ المنظر، جسدُهُ جسدُ خنزير، ووجههُ وجهُ قرد، وعيناه مشقوقتان طولًا، وأسنانُه كلُّها عظمٌ واحد، وليس له لحية، ويداه في منكبيه، وله يدان أخريان في جانبيه، وأصابعه حلقة (٣) واحدة، وعليه لباس المجوسِ واليهود والنصارى، وفي وسطه مِنْطَقةٌ من جلودِ السباع فيها كيزان معلَّقة، وعليه جلاجل، وفي يده (٤) جرسٌ عظيم، وعلى رأسه بيضةٌ من حديد معوجة كالخُطَّاف،


(١) في تاريخه ١/ ٨٨، وانظر ١/ ٧٩ - ٨٨، والمنتظم ١/ ١٧٦ - ١٧٩، وكنز الدرر ١/ ٢٤٤ فما بعدها.
(٢) أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء ٢/ ٣٢٨ - ٣٢٩، وانظر تلبيس إبليس ٢٧.
(٣) في (ل) و (ب): يدان أخراواتان .... خلقه، والمثبت من (ط).
(٤) في (ب): "وسطه".