للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَراني الله بالنَّعَم المنَدَّى … ببُرْقَةِ رَحْرَحان وقد أَراني

أإنْ قَرَّت عيونٌ واستُفيئتْ … غنائمُ قد يجودُ بها بَناني

حويتُ جميعَها بالسيف صَلْتًا … ولم تُرْعَد يداي ولا جَناني

تَمَشّى يا ابن عَوْذَةَ في تميمٍ … وصاحبُك الأُقيرع تَلحَياني

فقل لابن المذَبِّ يَغضُّ طَرْفًا … على قطع المذَلَّةِ والهوانِ (١)

من أبيات.

فلما قام أبو بكر، وبلغه قول مالك بعث خالد بن الوليد إلى مالك وقومِه، وقال: إن سمعتَ فيهم مؤذَّنًا فلا تَقتلْ منهم أحدًا، وعزم [على] خالد أنْ يَقتل مالكًا إنْ أخذه، فأقبل خالد حتى نزل الجَوَّ جَوَّ البعوضة وبه بنو يربوع، فبات عندهم ولا يخافونه، ثم مرَّ ببني غُدانة وبني ثعلبة، فلم يَسمع فيهم مُؤذّنًا، فأوقع بهم، فثاروا ولا يدرون مَن أوقع بهم، ولا مَن بَيَّتَهم، فلما رأوا الجيش قالوا: ما أنتم؟ قالوا: المسلمون، وكان مالك فيهم، فقال: ونحن المسلمون أيضًا، فلم يَسمع منهم، ووضعوا فيهم السيف، وأَعجل مالك عن لبس السِّلاح، وقُتلت غدانة وثعلبة أشدَّ القتل، وقامت ليلى بنت سنان بن ربيعة بن حنظلة امرأة مالك عريانة دون مالك، فأنفذت الرَّماح ساقيها، ولبس مالك أدَاتَه، وخرج فنادى: يا آل عبيد، فلم يُجبْه أحدٌ غير بني بَهان، ففرغ خالد منهم، وبقي مالك، فقال له خالد: يا ابن نويرة هلمَّ إلى الإِسلام، فقال مالك: وتعطيني ماذا؟ فقال: أُعطيك ذِمَّةَ الله وذِمَّة رسوله وذِمَّة أبي بكر وذمة خالد أنْ لا أجاوزَ إليك، وأن أقبلَ منك، فأعطاه مالك يدَه وخالد على تلك العزيمة من أبي بكر في قتله، فقال: يا مالك إني قاتلُك، فقال: لا تقتلني، فقال: لا بدّ، وأمر بقتله، فتهيب المسلمون ذلك، وقال المهاجرون: أتقتل رجلًا مسلمًا، وقد أعطيتَه ذمَّةَ الله وذمة رسوله، فقام ضِرارُ بن الأَزْوَر من بني كُوز، فقتله، وقيل: قتله عَبد بن الأزور أخو ضرار، وأقبل المِنْهال بن عِصمة الرِّياحي، فكفَّنَ مالكًا، ودَفنه، فذلك قول متمم: [من الطويل]

لقد كفَّنَ المِنهالُ تحت ردائه … فتىً غيرَ مِبْطانِ العَشِيَّاتِ أَرْوَعا (٢)

قال عمر بن الخطاب لمُتَمّم بن نويرة: ما بلغ من حُزنك على أخيك؟ فقال:


(١) شرح الحماسة للتبريزى ٢/ ١٤٩، وطبقات ابن سلام ٢٠٥ - ٢٠٦، والأغاني ١٥/ ٣٠٥، والخزانة ٢/ ٢٥.
(٢) في (أ) و (خ): لعمري لقد كفن، وكلمة لعمري، أول بيت في هذه القصيدة، وباقي البيت: =