للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لقد مكثتُ سنة ما أنام بليلٍ حتى أُصبح، وما رأيت نارًا رُفعت بلَيلٍ إلا ظننتُ أن نفسي ستخرج، أذكرُ بها نارَ أخي، إنه كان يَأمرُ بالنار فتُوقد حتى يُصبح، مخافةَ أن يبيتَ ضيفُه قريبًا منه، فمتى رأى النار يلوي إلى الرحل وهو بالطيف يأتي متهجدًا أسر من القوم يقدم عليهم القادم لهم من السفر البعيد، فقال عمر: أكرم به.

وقال عمر يومًا لمتمم: خَبَّرنا عن أخيك، قال: يا أمير المؤمنين لقد أُسرتُ مرَّةً في حيٍّ من أحياء العرب، فأقبل أخي، فما هو إلا أن طَلع على الحاضر، فما أحدٌ كان قاعدًا إلا قام، ولا بقيت امرأة إلا تَطلَّعتْ من خِلال البيوت، فما نزل عن جمله حتى لقوه بي في رمتي، فحلَّني هو، فقال عمر: إن هذا لهو الشرف.

ورثى متمم أخاه مالكًا، من أبيات (١): [من الطويل]

وكنّا كنَدْمانَيْ جَذِيمةَ حِقبَةً … من الدَّهر حتى قيل لن يَتصدَّعا

وعِشْنا بخيرٍ في الحياة وقبلَنا … أصاب المنايا رهطَ كسرى وتُبَّعا

فلما تَفرَّقْنا كأني ومالكًا … لطُول اجتماع لم نَبِتْ ليلةً معا

لقد غَيَّبَ المِنهالُ تحت ردائه … فتىً غيرَ مِبْطانِ العَشِيَّات أَروعا

تَراه كنَصْلِ السَّيفِ يَهتزُّ للنَّدى … إذا لم تجد عند امرئ السوءِ مَطْمَعًا

وما كان وَقَّافًا إذا الخيل أَحْجَت … ولا طالِبًا من خَشْيَةِ الموتِ مَفْزَعَا

ولا بكَهَامٍ سيفُه عن عدوِّه … إذا هو لاقى حاسرًا أو مُقَنَّعا

وإني متى ما أدعُ باسمِك لم تُجِبْ … وكنتَ حَريًّا أن تُجيبَ وتسمعا

تحيَّتُه منِّي وإن كان نائيًا … وأَمسى تُرابًا فوقه الأرضُ بَلْقَعا

وما شارِفٌ حَنَّتْ حنينًا ورَجَّعتْ … أنينًا فأبكى شَجْوُها البَرْكَ أَجمعا

ولا ذاتُ أَظْآرٍ ثلاثٍ رَوَائمٍ … رأَيْنَ مَجَرًّا من حُوارٍ ومَصْرَعَا


= لعمري وما دهري بتأبين هالك … ولا جزع مما أصاب فأوجعا
انظر المفضليات ٥٢٦، وشرحه لابن الأنباري ٢/ ٦٤، وللتبريزي ١١٦٧، وأمالي اليزيدي ١٨، وطبقات ابن سلام ٢٠٩، والأغاني ١٥/ ٣٠٧، والعقد الفريد ٣/ ٢٦٣ - ٢٦٤، وشرح الحماسة للتبريزي ٢/ ١٥٠، والخزانة ٢/ ٢٧، وغيرها كثير.
(١) سلف تخريج القصيدة، وسياق القصيدة هنا مختلف عن المصادر.