للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فأقام يتربّص ببيعة أبي بكر شهرين، وقال: أمّرني رسول اللَّه ولم يعزلْني حتى قبضه اللَّه، فخرج يومًا وعليه جُبَّةُ حرير أو ديباج، فلقي عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب، فصاح عمر بمَن يليه: مَزِّقوا عليه جُبَّتَه، فصاح خالد: يا أبا الحسن، يا بني عبد مناف، أغُلِبتم عليها؟ فقال له عمر: فضَّ اللَّه فاك، واللَّه لا تزال تَخوضُ فيما قلت، ثم لا تضرَّ إلا نفسَك، فلما عقد له أبو بكر على الشام قال له عمر: أَتُولِّيه وقد قال ما قال، وإنه واللَّه لمَخْذولٌ، ضعيفُ الرؤية (١)، كاذبٌ أحمق، فلا تستنصر به، فأطاع أبو بكر عمر في بعض أمره، ثم عصاه في البعض، فعزله عن إمرة الشام، وجعله ردءًا بتيْماء، وقال له: أقم بها رِدءًا للمسلمين.

وقال الواقدي: لما قدم خالد بن سعيد من اليمن أقام في بيته ثلاثة أشهر لم يبايع، ولا دخل فيما دخل فيه المسلمون، ثم مرَّ عليه أبو بكر وهو على باب داره، فسلّم عليه فقال له خالد، أتحبُّ أن أُبايعك؟ فقال: أحبّ أن تَدخل في صالح ما دخل فيه المسلمون، فقال: مَوعدك العَشيَّة، فجاء وأبو بكر على المنبر فبايعه، وكان رأيُ أبي بكر فيه حسنًا، وكان مُعظّمًا له، فلما بعث أبو بكر الجيوش إلى الشام عقد له لواءً على المسلمين، وجاء أبو بكر باللواء إلى بيت خالد، فعاتبه عمر، ولم يزل به حتى عزله عن إمرة الشام، وأرسل إلى خالد أبا أَرْوى الدَّوْسي: ارْدُدْ علينا لواءَنا، فدفعه إليه وقال له: واللَّه ما سرَّتنا ولايتُكم، ولا ساءنا عزلُكم، وإن الملومَ لغيرُك -يعني عمر؛ لأنه هو الذي نقل الحديث، وألجأه إلى عزله- فما شعر خالد إلا بأبي بكر وقد دخل عليه داره، وأخذ يَعتذر إليه، ويعزم عليه أن لا يذكر عمر بحرف، قالت أم خالد بنت خالد: فواللَّه ما زال أبي يترحَّم على عمر حتى استشهد (٢).

ولما سار خالد إلى الشام مع الأمراء كان يسير تحت لواء أبي عبيدة، فقيل له: تدعُ المسير تحت لواء ابن عمك يزيد بن أبي سفيان وتسير تحت لواء الغير! فقال: مَسيري مع أخي في ديني أحبُّ إلى من مسيري مع ابن عمي (٣).


(١) في الطبري ٣/ ٣٨٨: ضعيف التروئة.
(٢) طبقات ابن سعد ٤/ ٩٩، وتاريخ دمشق ٤/ ٤٥٥ (مخطوط).
(٣) تاريخ دمشق ٤/ ٤٥٦.