أصغرها وهو فَلك القمر، ثم الذي يليه فلَك عُطارد، ثم فَلك الزُّهرة، ثم فلَك الشمس، ثم فَلك المِرِّيخ، ثم فلَك المُشْتَري، ثم فلَك زُحَل وهو السابع، والثامن فلك البروج وفيه سائر الكواكب الثابتة، والتاسع الفلك الأعظم الحاكم على جميع الأفلاك وله أسام منها: الأثير، لأنه يؤثِّر في غيره وغير لا يؤثّر فيه، ومنها: القسريُّ، لأنه يدير الأفلاك دورةً قسرية في كلِّ يوم وليلة دورة واحدة، ومنها: فلك الاستواء، ومنها: المستقيم، ومنها: الأطلس، ويزعمون أنه ليس وراءَهُ شيءٌ ولا فيه كوكب ولا غيره، ويدير الأفلاك على القطبين الثابتين الذين ذكرناهما، قالوا: وبينه وبين الأرض خمسون ألف سنة، ويسمى المحيطَ أيضًا، لأنه يُحيط بكلِّ شيء ولا يحيط به شيء.
قال بَطْلَيمُوس: وهو أخفُّ الأفلاكِ وأضوؤها، لأنه منها في جوهره كذلك، ولهذا ارتفع على الكل، قال: والذي من دونه يقال له: فلك البروج، وفلك الأفلاك، لأنه يدور بأفلاك الكواكب، ثم دونه أفلاكُ الكواكب السبعة.
ومنهم من يقول: هي أفلاك كثيرة (١)، وهذه الأفلاك من طبيعةٍ أخرى بخلاف الطبائع الأربع التي بدون فلك القمر من النار والهواء والتراب والماء، لأنها لو كانت من هذه لزمها ما يلزم هذه من الكون والفساد والاستحالة والزيادة والنقصان، فالفلك وما فيه طبيعة خامسة ولم يخبروا عن ماهيَّتها بأكثر من هذا.
وقال بَطْلَيمُوس أيضًا: صورة الفلك وهيئات بروجه على مثال البطيخة المخططة، أعلاها وأسفلها كالنقطتين، وكلّ بيتٍ بين خطين بمنزلة البرج، واتساقُ بروجه على مثال اتساقِ بيوتها وخطوطها.
وقال أفلاطن: الأفلاكُ كهيئة الأُكَرِ، بعضُها فوقَ بعض، والفلك التاسع محيطٌ بجميع الطبائع والمخلوقات، وليس فيه كوكب، وهو يدير الكلَّ من المشرق إلى المغرب كل يوم وليلة دورة واحدة، والأفلاكُ الثمانيةُ تدورُ من المغربِ إلى المشرقِ.
وشبَّهوا ذلك بسفينةٍ تجري مع الماءِ وفيها رَجُل يمشي مُصْعِدًا. ولهم في هذا بحث طويل.
(١) جاء بعدها في "كنز الدرر" ١/ ٣٤: "ومنهم من قال: إن الفلك حي مميز بجميع ما فيه، ذو صورة وكذلك جميع ما فيه بهذه المنزلة".