للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ووجدتُ ريحَ الموت من تلقائهم … في مأزقٍ والخيلُ لم تَتَبَدَّدِ

فعلمتُ أني إن أُقاتل عنهم … أُقتلْ ولا يَنْكِي عدوّيَ مَشهدي

وصددْتُ عنهم والأحبَّةُ فيهمُ … طمعًا لهم بعقابِ يومٍ مُفْسِدِ (١)

قال خلف الأحمر: أبياتُ هُبيرة بن أبي وَهْب في الاعتذار عن الفرار خيرٌ من أبيات الحارث، وهي: [من الطويل]

لعَمْرُك ما وَلَّيتُ ظهري محمدًا … وأصحابَه جُبْنًا ولا خِيفةَ القتلِ

ولكنني قَلَّبْتُ أمري فلم أجد … لسَيفي غناءً إن ضربتُ ولا نَبْلي

وقفتُ فلما خِفتُ ضيعةَ مَوقفي … رجعتُ لعَودٍ كالهِزَبْر أبي الشِّبْلِ (٢)

وكان الحارث سيِّدًا في قومه، شريفًا في الجاهلية، ورُوي أن النبي ﷺ ذكرَ فِعلَه في الجاهلية في قِرى الأضياف وإطعامِ الطعام، فقال: إنه لسَرِي، وكان أبوه سَريًّا، ووَدِدْتُ أن اللَّه هداه إلى الإِسلام.

وكان الحارث جوادًا شاعرًا فاضلًا، وفيه يقول الشاعر: [من الكامل]

أحسبت أن أباك حيق تَسبُّني … في المجد كان الحارثَ بنَ هشامِ

أَولى قريشٍ بالمكارم كلِّها … في الجاهلية كان والإِسلامِ (٣)

قال الواقدي: لم يزل الحارث مُقيمًا بمكة، حتى جاء كتابُ أبي بكر يَستنفر الناس إلى الشام لجهاد العدوّ، فاستعدّ للخروج (٤).

وقال الزبير بن بكار: تجهَّز الحارث من مكة غازيًا، فخرج بماله إلى الشام وأهله، وتبعه أهلُ مكة يبكون عليه، وذلك في خلافة عمر بن الخطاب، فبكى وقال: واللَّه لو كنت مستبدلًا دارًا بدار، وجيرانًا بجيران، ما أردتُ بكم بدلًا، وفي رواية: واللَّه ما خرجتُ رغبةً بنفسي عنكم، ولا أختار بلدًا غيركم، ولكن كان هذا الأمر، فخرجتْ فيه


(١) السيرة ٢/ ١٨، والاستيعاب (٤٦٦)، والتبيين ٣٥٧.
(٢) في (خ): كالهزبر بن الشبل، وفي التبيين ٣٥٧: كالهزبر إلى الشبل، وفي السيرة ٢/ ٢٦٧: صددتُ كضرغام هزبر أبي شبل.
(٣) التبيين ٣٥٧، والاستيعاب (٤٦٦).
(٤) طبقات ابن سعد ٥/ ٤٤٤ و ٧/ ٤٠٤.