للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولبَّبه، وجرَّه إلى المسجدِ، فقال: يا أبة، لا تفضَحْني على رؤوسِ الناس، اقتُلني هاهُنا، فقال: أما سمعتَ قول اللَّه تعالى: ﴿وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [النور: ٢].

ثمَّ جاء به إلى المسجد، وأمر غُلامًا له يُقال له: أَفْلَح فقال: انزع ثيابَه، وافعل ما آمرُك به، اضربه مئةَ سوطٍ، ولا تُقَصِّر في ضَرْبهِ، فبكى أفلحُ، وقال: ليتني لم تَلدْني أمي؛ حيثُ أُكلَّف ضَرْبَ ولدِ سيدي، فقال: اضربْه، وضجَّ الناسُ بالبكاء والنَّحيب، وجعل الغُلامُ يقول: يا أبة، ارحمني، وعمرُ يبكي ويقول: يرحمُك ربُّك، فلما ضربه السَّوط الأوَّل قال الغلامُ: بسمِ اللَّه، فقال عمرُ: نِعمَ الاسمُ سَمَّيتَ، فلما ضربه ثانيًا قال الغُلام: ما أمرَّه، فقال عمر: اصبر كما عصيتَ، فلما ضربه ثالثًا قال: الأمان الأمان، فقال عمر: ربُّكَ يُعطيك الأمان، فلما ضربه رابعًا قال: واغَوْثاه، فقال عمر: الغَوْثُ عند الشِّدَّة، فلما ضربه خمسًا قال: الحمدُ للَّه، فقال عمر: حمدُ اللَّهِ واجبٌ، فلما ضربه عشرًا قال: يا أبة، قتلتَني، قال: ذنبُك قتلك، فلما ضربه ثلاثين قال: أحرقتَ قلبي، فقال عمر: النارُ أشدُّ حرًّا، فلما ضربه أربعين قال: يا أبة، دَعْني أذهب على وجهي، فقال عمرُ: يا بنيّ، إذا أخذتُ حدَّ اللَّهِ منك فاذهبْ حيثُ شئتَ، فلما ضربه خمسين قال: أنشدكَ بالقُرآن لمَا خَلَّيتَني، فقال: يا بُنيّ، هلّا وعظكَ القُرآنُ [وزَجَرك] عن المعاصي؟ فلما ضربه ستين قال: يا أبة، أغِثني، قال: إنَّ أهل النار إذا استغاثوا لم يُغاثوا، فلما ضربه سبعين قال: يا أبة، اسقِني شربةً من ماءٍ، قال: [يا] بُنيّ، إن كان ربُّك يطهرك فيسقيك محمد شربةً لا تظمأُ بعدها أبدًا، فلما ضربه ثمانين قال: يا أبة، السلام عليك، فقال: يا بُنيَّ، إذا لقيتَ محمَّدًا فأقرئه عني السلام، وقُل له: خَلفتُ عمر يقرأُ القُرآنَ ويُقيمُ الحدود، فلما ضربه تسعين ضَعُفَ وانقطع كلامُه، فوثب أصحابُ رسول اللَّه من كلِّ جانبٍ وقالوا: يا أميرَ المؤمنين، أخِّر ما بقي إلى وَقْتٍ آخر، فقال عمر: كما لم تُؤخَّر المعصيةُ لا تُؤخَّر العقوبةُ، وبلغ أمّ الغُلام فجاءت صارخة تقول: يا عمرُ، أحجُّ بكل سوطٍ حجَّة ماشيةً، وأتصدَّقُ بكذا وكذا درهمًا، فقال عمر: إن الحجَّ والصدقة لا تَنوبان عن الحدِّ، فضربه مئةً فمات الغُلامُ، فجعل عمرُ رأسَه في حِجره، وجعل يبكي ويقول: بأبي مَن قتله الحقُّ، بأبي مَن لم يَرحمه أبوه ولا أقاربُه، وضجَّ الناسُ بالبكاء والنحيبِ، وجاء حُذيفةُ بن اليمان