للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بعد ذلك، فقال: يا أمير المؤمنين، رأيتُ الغلام في المنام وعليه حُلَّتان خضراوان، وهو مع رسول اللَّه ، فقال لي رسول اللَّه : يا حُذيفة، اقرأ على عمر مني السلام، وقيل: هكذا أمرك ربُّكَ أن تقرأ القُرآن وتُقيمَ الحدود. وقال الغُلامُ: قل لأبي: طهَّركَ اللَّهُ كما طهَّرتني (١). وهذه روايةُ مجاهدٍ عن ابن عباسٍ اختصرتُها.

وذكر الزبيرُ بن بكارٍ أن عبد الرحمن الأوسط من أولاد عمر كان يُكنى أَبا شَحمة، وعبدُ الرحمن هذا كان بمصر، خرج غازيًا، فاتَّفق أنه شرب نبيذًا، فسَكِرَ، فجاء إلى عمرو بن العاص فقال له: أقم عليَّ الحدَّ، فامتنع، فقال له: إني أُخبرُ أبي إذا قدمتُ عليه، فضربه عمرو الحدَّ في داره، ولم يُخْرِجْه، وبلغ عمر، فكتبَ إلى عمرو يلومُه في مراقبته لعبد الرحمن ويقول له: ألا فعلتَ به ما تفعلُ بجميع المسلمين؟ فلما قدِم على عمر ضربه، واتفق أنه مرض فمات.

قال جدي: هذا الذي ذكره ابن سعدٍ في الطبقات وغيرُهُ. ويحتمل أنه شرب النَّبيذ متأوِّلًا، فسكر من غير اختيار، وأنَّ عمر ضربه ضَرْبَ تأديبٍ، لا ضربَ حدٍ، ومرض لسببٍ آخر، ومات لا من الضَّرْبِ. ثمَّ قال: [وفي] الإسناد الأوَّلِ مجهولٌ (٢).

وفيها ولّى عمر النعمان بن عَديّ بن نَضْلة العدويّ دُسْتَ مِيسان، وعديّ أبو النعمان أوَّلُ مَن هاجر إلى الحبشة الهجرة الثانية، ومات بها، وورثه النعمان، وهو أول ميراثٍ في الإِسلام.

وكان النعمان شاعرًا، ولما ولي دُسْت مِيسان قال: [من الطويل]

ألا هل أتى الحسناءَ أن خَليلَها … بميسان يُسقى في زجاجٍ مُخَتَّمِ

إذا شئتُ غَنَّتْني دَهاقينُ قريةٍ … وصنَّاجةٍ تَجثو على كلِّ مَبْسِمِ

فإن كنتَ نَدماني فبالأكبر اسقني … ولا تَسقني بالأصغرِ المتثَلِّمِ

لعل أمير المؤمنين يَسُوءُه … تنادُمُنا في الجَوْسَقِ المتهدِّمِ

فبلغ عمر ذلك، فقال: إي واللَّه إنني ليَسُوءني ذلك، ثم عزله، فقدم عليه فقال: يا


(١) الموضوعات (١٨٣٧).
(٢) الموضوعات ٣/ ٦١٣ - ٦١٥ وانظر تتمة كلامه على الحديث، ومن قوله: وقد اختلفوا في اسم المضروب. . إلى هنا، ليس في (أ) و (خ).