وقال الواقدي: كان بين المغيرة وبين أبي بكرة مُنافرة، وكانا متجاورَيْن في مَشربتين متقابلتين، في كلِّ واحِدةٍ منهما كُوَّة مقابلة الأخرى، فاجتمع إلى أبي بكرة قومٌ يتحدَّثون عنده، فهبت الريحُ ففتحت باب الكُوَّة، فقام أبو بكرة ليَصفِق بابَها، فبصُر بالمغيرة وهو بين رجلَي امراةٍ، فقال للنفرِ: قوموا فانظروا، فقاموا فنظروا، فقال: اشهدوا، فقالوا: مَن هذه؟ قال: أمُّ جميل بنتُ الأَفقم، وعرفوها حين قامت، ثم خرج المغيرة إلى الصلاة، فحال أبو بكرة بينه وبينها وقال: واللَّه لا تصلي بنا بعدها.
وكتبوا إلى عمر وأخبروه، فبعث أَبا موسى وقال له: استعِنْ بأنس بن مالك، وعمران بن الحُصَين، وهاشم بن عتبة، فلما قدم أبو موسى البصرة أَشخص المغيرة وأبا بكرة وزياد بن أَبيه ونافع بن الحارث بن كَلَدة وشِبل بن مَعبد البَجَلي، وهم الذين عاينوا القصة، فلما قدموا على عمر شهدوا على المغيرة بما عاينوا، فقال المغيرة: يا أمير المؤمنين، سَلْ هذه الأعبد كيف رأوني؟ فإن كانوا استقبلوني، فكيف لم أستتر عنهم. وإن كانوا استدبروني، فكيف يَحلُّ لهم أن ينظروا في منزلي؟ واللَّه ما أتيتُ إلَّا امرأتي وكانت تُشبهها، فقام أبو بكرة فقال: كذبتَ، أشهد أنه بين رجلي أمِّ جميل بنت الأفقم، وهو يدخله في فرجها كالمُلْمول في المُكْحُلَة، ثم شهد شبل ونافع بمثل ذلك، وبقي زياد فقال له عمر: بم تَشهد؟ فقال: رأيتُه جالسًا بين رجلي امرأةٍ، ورأيتُ قدمين مَخضوبتَيْن تَخفِقان، وسمعت حَفَزانًا شديدًا، قال: هل رأيت كالملمولِ في المُكحلة؟ قال: لا، قال: هل تَعرف المرأة؟ قال: لا، قال: فتنحَّ، وقرأ عمر: ﴿لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ﴾ [النور: ١٣]، وأمر بالثلاثة فحُدُّوا، وقيل: كان ذلك في سنة خمس عشرة.
وقال الواقدي: ولما حُدُّوا حدَّ القذف قال المغيرة: يا أمير المؤمنين، اشفني من هذه الأعبد، فقال له عمر: اسكت أسكتَ اللَّه نَأمَتك -أي: صوتَك- واللَّه لو كملت الشهادةُ لرجمتُك بأحجارك (١).