للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد ذكر القصّة البلاذري (١) وقال: ولمَّا بلغ عمر فعلُ المغيرة عزله عن البصرة، وولّى أَبا موسى، وبعث معه أنس بن مالك، وأخاه البراء بن مالك، وأبا نُجَيد عمران ابن الحصين الخُزاعي، وأمره بأن يُشخِص المغيرة والشهود، فلما قدموا على عمر جمع الناس، وأُقيم المغيرة، وقام أبو بكرة فشهد عليه، فقال عمر: ذهب رُبعُ المغيرة، وقام نافع بنُ الحارث فشهد بمثل ذلك، فقال عمر: ذهب نصفُ المغيرة، فقام شبل بن معبد فشهد بمثل ذلك، فقال عمر: ذهب ثلاثةُ أرباع المغيرة، ثم تقدّم زياد، وكان شابًا طريرًا جميلًا، فلما نظر إليه عمر قال: واللَّه إني لأرى وجهًا خليقًا أن لا يُخزي اللَّه به رجلًا من أصحاب محمد ، ثم قال له عمر: بم تَشهد؟ فقال: أشهدُ أني سمعتُ نَفَسًا عاليًا، ورأيتُ أمرًا قبيحًا، فأما ما ذكره هؤلاء فلا -يعني الملمول في المكحلة- فانتضى المغيرةُ السيف، وقصد أَبا بكرةَ وصاحبَيْه، فصاح عمر: لعنك اللَّه يَا أعور أمسِكْ -وكانت إحدى عينيه قد ذهبت باليرموك أو بالقادسية-.

ثم أمر عمر بالثلاثة فحُدُّوا، ودرأ عن زيادٍ حدَّ القَذْف، وعن المغيرة حدَّ الزِّنا، ثم قال عمر: توبوا، فقال له أبو بكرة: واللَّه لا أتوبُ من الحق أبدًا، أشهدُ أن الأعور الفاسق زانٍ، فأراد عمر أن يَحُدَّه ثانيًا، فقال له علي: لا تفعل، فإنك إن جعلتَها شهادةً رجَمْنا المغيرة، فسكت عمر، وقال أبو بكرة لزياد بن أَبيه، وهو أخوه لأمِّه سميَّة: نافقتَ وداجيتَ وكذبتَ!؟ واللَّه لا كلّمتُك أبدًا، فلم يُكلِّمه حتى مات.

وذكر جدي في "المنتظم" (٢) وقال: من الجائز أن يكون قد تزوَّجها ولم يَعلم أحدٌ، وقد كانت تُشبه زوجتَه، قال: وقال ابنُ عقيل: للفقهاء تأويلات؛ فقد كانت المتعةُ عَقدًا في الشرع، وكان نكاحُ السرِّ عند قوم زنا، ولا يجوز أن تُنسبَ الصحابةُ إلى ما لا يجوز.

قلت: والعجب من هذا الاعتذار، وقد ارتكب المغيرةُ أعظمَ من الزنا لمّا ولاه معاوية بن أبي سفيان الكوفة؛ بعد ما استشهد أمير المؤمنين، كان يَلعن أمير المؤمنين على منبر الكوفة وفي مجالسه، ويَختلق له المساوئ لما سنذكر (٣)، وقد ثبت أن النبي


(١) في أنساب الأشراف ١/ ٥٨٢ - ٥٨٣.
(٢) في ٤/ ٢٣٢.
(٣) هذا من تشيّع المصنف، وانظر ما سيرد.