جُفون سُيوفهم، فكان النعمانُ أوَّل قتيلٍ، فطرح عليه أخوه سُويدُ بن مُقَرِّن ثوبَه لئلا يُعرف، وأخذ سويدٌ الراية فإذا هي تَنْضَحُ دمًا، وقيل: إن فرس النعمان زَلَق به في الدِّماء فصَرَعه، وأن الذي أخذ الرَّايةَ نُعيم بن مُقَرِّن، وقال المغيرةُ بن شعبة: اكتُموا مُصابَ أميركم حتى نَنظُرَ ما نَصنع.
وكان النعمان قد قال: اللهمَّ أعِزَّ دينَك، وانْصُرْ عبادَك، واجعل النعمانَ أوَّلَ شهيدٍ.
وأخذ اللواءَ حُذيفةُ بن اليمان، واقتتلوا إلى الليلِ، ونصر اللَّه المسلمين، وكان الكفار قد قَرنوا ثمانين ألفًا في السلاسلِ، وحفروا حولهم خَندقًا، فلما هزمهم المسلمون، وقع منهم في الخندقِ مئةُ أَلْفٍ فماتوا، وقُتل عامّتهم في المعركةِ، وكان عليهم الفَيرزان أو ذو حاجب، فانهزم إلى هَمَذان، فأدركه القَعقاعُ على ثَنيَّة هَمَذان، والثنيَّةُ مَشحونةٌ بأحمالٍ فيها عَسَلٌ، فلم يَتخلَّصِ الفَيرُزانُ من الزحام، فقتله القعقاعُ، فقال المسلمون: للَّه جنودٌ من عَسَل.
وفي هذه الغزاةِ صاح عمر: يا ساريةُ، الجبلَ، قالها ثلاثًا، ثم خطب ونزل، فقيل له: ما هذا؟ فقال: واللَّه ما ألقيتُ له بالًا، ولكنه شيءٌ أجراه اللَّه على لساني.
وفي رواية ابن سعد: يا سارِيةُ بن زُنَيْم، الجبلَ الجبل، ظلم مَن استَرعى الذئبَ الغَنَم، فلما كان بعد أيامٍ وصل كتابُ سارية إلى عمر: إن اللَّه فتح علينا يومَ الجمعة، في ساعة كذا وكذا، سمعنا صوتًا يقول: الجبلَ الجبلَ، وكان العدوُّ قد كَمن لنا في الوادي، فلما ارتفعنا الجبَلَ هَزمهم اللَّه وكان الفتحُ.
وفي روايةٍ: إن عمرَ رأى ذلك في منامِه، فأصبح فصَعِد المِنْبَر وصاح، فقيل لساريةَ: أسمعتَ الصوتَ؟ قال: إي واللَّه.
وقال هشام: ولما فتح اللَّه نَهاوَنْد جاء راهبٌ إلى السائبِ بن الأقْرَعِ، وكان أميرًا على كُردوسٍ، فسارَّه بشيءٍ وقال: إن دَلَلْتُك على كُنوزِ كسرى أأنا آمنٌ على نفسي وأهلي؟ قال: نعم، فجاء به إلى مكانٍ، فاستخرج منه سَفَطَيْن عظيمين، فيهما اليواقيت التي كانت ذخائرَ كِسرى ومَن تَقدَّمه، فرأى السائبُ ما أذهله، وقسم حُذيفةُ الأخماسَ، وأصاب الفارسُ ستَّةَ آلاف، والراجلُ ألفَين، وأما من الثيابِ والأمتعةِ والأطعمةِ