قال: فهِبتُه هيبةً عظيمةً، وقلتُ له: إنَّ لي إليك حاجةً، قال: وما هي؟ قلتُ: أكونُ من أصحابك، أو أكون لك صاحبًا -ورَضيتُ واللَّه بذلك يَا أمير المؤمنين- فقال: لستَ من أصحابي، فكان ذلك أشدَّ عليَّ وأعظمَ مما صَنع، فلم أزل أخضَعُ إليه، فقال: ويحكَ! وهل تَدري أين أُريدُ؟ قلتُ: لا، قال: أُريدُ الموتَ عِيانًا، فقلتُ: وقد رَضيتُه معك، فقال: امضِ بنا.
فسِرنا جميعًا يومَنا حتى جَنَّنا الليلُ وذهب شَطرُه، ودنَونا من حيٍّ من أحياء العرب، فأومأ إلى قُبَّةٍ من قِبابِ الحيّ، وقال: يا عمرو، في تلك القُبَّةِ الموتُ الأحمرُ، فإمّا أن تُمْسِك عليَّ فرسي، فأنزل فآتي بحاجتي، وإمَّا أن أُمسكَ عليك فرسَك، فتَنزل فتأتيني بحاجتي، فقلتُ: لا بل انزِلْ أَنْتَ؟ فأنت أعرفُ بموَضع حاجتك مني، فرمى إليَّ بعِنان فرسه ونزل -ورضيتُ واللَّه أن أكون له سائسًا- ثم مضى فدخل القُبَّةَ، واستخرج منها جاريةً لم تَرَ عيناي مثلَها حُسْنًا وجمالًا، فحملها على ناقةٍ، ثم سِرنا.
فلما طلع الفجرُ قال: يا عمرو، انظر هل ترى من أحدٍ؟ فنظرتُ فإذا بثلاثةِ فوارسٍ، فيهم شيخٌ كبير -وهو أبو الجاريةِ، وأخواها غلامانِ شابّان- فسلَّموا علينا، فردَدْنا السلامَ، ووقفوا ووقفنا، فقال الشيخُ: يا حارثُ، يَا ابنَ أخي، خلِّ عن الجارية، فقال: ما كنتُ لأُخلِّيها، وما أخذتُها لهذا، فقال لأصغر ابنَيْه: اخْرُج إليه، فخرج وهو يجرُّ رُمحَه، فحمل عليه الحارثُ وهو يقول:[من الرجز]
من دون ما تَرجوه خَضبُ الذَّابلِ
من فارسٍ مُستَلئمٍ مُقاتلِ
يَنمي إلى شيبانَ خيرِ وائلِ
ما كان سَيري نحوها بباطلِ
ثم طعنه فدقَّ صُلبَه، فوقع ميتًا.
فقال الشيخُ لابنه الآخر: أخرج إليه، فلا خيرَ في الحياةِ على ذلّ، فخرج إليه،