للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رضوان اللَّه عليه حمصَ وما يليها من الشام.

أرسل عمر رضوان اللَّه عليه إلى سعيد بن عامر فقال: إنّا مُستعملوك على هؤلاء، تَسيرُ بهم إلى أرض العدوّ، فتَجاهدونهم، فقال: يا عمر، لا تَفتِنّي، فقال عمر رضوان اللَّه عليه: لا واللَّه لا أَدَعُكُم، جعلتموها في عُنقي ثم تخلَّيتُم عني، إنما أبعثُك على قومٍ لستَ بأفضلهم، ولستُ أبعثُك لتضربَ أبشارهم، ولا لتهتك أعراضَهم، ولكن لتُجاهدَ بهم عَدُوَّهم، وتَقسم بينهم فَيْئَهم.

فقال: يا عمر، اتَّقِ اللَّه، أحبَّ لأهل الإسلام ما تُحبُّ لنفسِك، وأقم وَجهَك وقضاءَك لمَن استَرعاك اللَّه من قريب [المسلمين وبعيدهم]، ولا تَقضِ في أمرٍ واحدٍ قضاءين، فيَختلِفَ عليك أمرُك، وتُنْزَعَ عن الحقّ، والزم الأمرَ ذا الحُجَّة يُعِنْك اللَّه على ما ولّاك، وخُضِ الغَمرات إلى الحقّ حيث عَلمتَه، ولا تَخشَ في اللَّه لَوْمَةَ لائم.

فقال عمر رضوان اللَّه عليه: وَيحك يا سعيد، ومَن يُطيق هذا؟ فقال: مَن وَضع اللَّه في عُنقه مثلَ الذي وَضع في عُنقك، إنما عليك أن تَأمُرَ فيُطاع أمرُك، أو يُترك فتكون لك الحُجَّة، فقال عمر رضوان اللَّه عليه: إنا سنجعل لك رزقًا، قال: لقد أُعطيتُ ما يكفيني دونه -يعني عطاءه- وما أنا بمُزْدادٍ من مال المسلمين شيئًا.

وكان إذا خرج عَطاؤه نظر إلى قُوتِ أهلِه من طعامهم [وكسوتهم وما يصلحهم فيعزله، وينظر إلى بَقيّته فيتصدّق به، فيقول أهله: أين بقيّة المال؟] فيقول: أقرضتُه، فأتاه نَفرٌ من قومه فقالوا: إن لِأَهْلِكَ عليك حقًا، وإن لأصهارِك عليك حقًا، فيقول: ما أستأثر عليهم، إن يدي لمع أيديهم، وما أنا بطالبٍ رِضى أحدٍ من الناس بطلبي الحورَ العين، لو اطّلعت واحدةٌ منهنّ لأشرقت لها الأرض، [وما أنا بمتخلّفٍ عن العُنُق الأول] بعد إذ سمعتُ رسول اللَّه يقول: "يجيء فقراء المهاجرين يَزفّون كما يَزفُّ الحمام، فيقال لهم: قِفُوا للحساب، فيقولون: واللَّه ما تَركنا شيئًا نُحاسَب عليه، فيقول اللَّه: صدق عبادي، فيدخلون الجنةَ قبل الناس بسبعين عامًا".

وقال خالد بن معدان: ولّى عمر رضوان اللَّه عليه سعيد بنَ عامر حمص، فبلغه فقرُه وفاقتُه، فبعث إليه بألف دينار، فتصدق بها، فقالت له زوجتُه: هلّا تصدَّقتَ علينا منها بشيءٍ، فنحن أَفقرُ الناس، فقال: سمعتُ رسول اللَّه يقول: "لو اطّلعت امرأةٌ