للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من نساء الجنة إلى الأرض لملأتها ريحَ المسك"، وإني واللَّه ما أختارها عليك، فرضيتْ.

ولما أتى عمر رضوان اللَّه عليه الشام طاف كُوَرَها، وبعث إلى حمص قال: اكتبوا لي فُقراءكم فكتبوا إليه أَساميهم، فكتبوا له اسمَ سعيد بنِ عامر، فلما رأى اسمَه قال: مَن سعيد بنُ عامر؟ قالوا: أميرُنا، قال: وأين عَطاؤه؟ قالوا: لا يُمسك منه شيئًا، فبكى عمر رضوان اللَّه عليه، وبعث إليه بألف دينار، فجعلها كالصُّرَر في مِخلاة، واعترض جيشًا من المسلمين، ففرَّقها فيهم.

وكان يَمضي عليه الشهر لا يَصعد من بيته دُخان.

وشكا أهلُ حمصَ سعيد بنَ عامر ، قالوا: نَشْكُو منه أربعًا، لا يَخرج إلينا حتى يَتعالى النهار، ولا يُجيب أحدًا بليل، وله يومٌ في الشهر لا يَخرج إلينا، ويُغْنَظُ الغَنظَةَ بين الأيّام (١)، فسأله عمر رضوان اللَّه عليه عن ذلك فقال: واللَّه إني لأكره ذِكرَ ذلك.

أمّا كوني لا أَخرجُ حتى يَتعالى النهار، فإنه ليس لي خادم، فأعجن عجيني، ثم أجلس حتى يَختمر، ثم أخبز خُبزي، ثم أتوضأ وأخرج إليهم، وأما كوني لا أُجيبهم بليل، فإني جعلتُ لهم النهار، وجعلت الليل للَّه، وأما كوني لا أخرج إليهم يومًا في الشهر، فإنه ليس لي خادم يغسل ثيابي، ولا لي ثوب غير الذي عليّ، فأغسِله وأجلس حتى يَجفّ، وألبسَه، ثم أخرج إليهم، وأما الغنظة فإني شهدتُ مَصرَعَ خُبَيب الأنصاري بمكة، وقد بَضَعت قُريش لحمه، ثم حملوه على جِذع وقالوا: تُحبُّ أنّ محمدًا مكانك؟ فقال: واللَّه ما أحب أني في أهلي ومالي وأن محمدًا شِيك بشوكة، ثم نادى: وامحمداه، فما ذكرتُ ذلك اليوم وتركي نُصرته في تلك الحال إلا ظننتُ أن اللَّه لا يَغفر لي الذّنبَ أبدًا، فتُصيبني تلك الغنظة، فقال عمر رضوان اللَّه عليه: الحمد للَّه الذي لم يُفَيّل فراستي فيك.

وبعث إليه بالف دينار وقال: استَعِنْ بها على أمرِك، ففرَّقها في الأرامل


(١) يعني يغمى عليه، وتأخذه موتة.