للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفيها حجَّ عمر بأزواجِ رسولِ اللَّه في الهوادج، قال سيف بن عمر: حدَّثني أبو عثمان وأبو حارثة والربيع بإسنادِهم قالوا: حجَّ عمر بأزواجِ رسولِ اللَّه معهن أولياؤهنَّ ومَن لا يَحتجبْنَ منه، وجعل في مقدّمة قِطارهن عبد الرحمن بنَ عوف، وفي مؤخّره عثمان بن عفان.

وحجَّ عمر عشر حجّاتٍ في خلافته أوَّلهن سنة أربع عشرة، وأخِرهُنَّ سنة ثلاثٍ وعشرين، واعتمر في خلافته ثلاث عُمَر، عمرة في رجب سنة سبع عشرة، وعمرة في رجب سنة إحدى وعشرين، وعمرة في رجب سنة اثنتين وعشرين.

قالت عائشة رضوان اللَّه عليها: لما كان آخر حجّةٍ حجَّها عمر بأمهات المؤمنين إذ صدرنا عن عرفة، ومررتُ بالمُحَصَّب، فسمعتُ رجلًا على راحلته يقول: أين كان أمير المؤمنين؟ فسمعتُ رجلًا آخر يقول: كان هاهنا، فأناخ راحلتَه، ثم رفع عَقيرتَه فقال: [من الطويل]

عليك سَلامٌ من إمام وباركتْ … يدُ اللَّه في ذاك الأديم الممَزَّقِ

فمَن يَسْعَ أو يركبْ جناحَيْ نَعامةٍ … ليُدرِكَ ما قدَّمتَ بالأمس يُسبَقِ

قضيتَ أُمورًا ثم غادرتَ بعدها … بَوائقَ في أكمامها لم تُفَتَّقِ

وما كنتُ أخشى أن تكونَ وفاتُه … بكفِّ سَبَنْتَى أزرقِ العينِ مُطرقِ

أبعدَ قتيلٍ بالمدينة أظلمتْ … له الأرضُ تَهتزُّ العِضاهُ بأَسْؤقِ

فقلتُ: مَن قائلُ هذه الأبيات؟ فقالوا: مُزَرِّد بن ضِرار، فلقيتُ مُزَرّدًا بعد ذلك، فحلف باللَّه ما شهد تلك السَّنة الموسم، فكانوا يَرون أن بعض الجنِّ رثاه.

وقال جُبَير بنُ مُطعِم: بينما عمر رضوان اللَّه عليه واقفٌ على جبال عرفة سمع رجلًا يقول: يا خليفة يا خليفة، فسمعه رجلٌ آخر وهم يَعتافون، فقال: ما لك؟ فَكّ اللَّه لَهواتك! فأقبلتُ على الرجل فصحتُ عليه قلتُ: لا تَسُبَّنَّ الرجل، فإني الغَدَ واقفٌ مع عمر رضوان اللَّه عليه على العقبة يَرميها جاءتْ حَصاةٌ عائرة، فنَقَفتْ رأسَ عمر، ففَصَدَتْه، فسمعتُ رجلًا من الجبل يقول: أشعرت؟! وربِّ الكعبة لا يَقفُ عمر هذا الموقف بعد العام، قال جُبير بن مُطعم: فإذا هو الذي صرخَ فينا بالأمس، فاشتدّ ذلك عليّ.

قال سعيد بنُ المسيّب رحمة اللَّه عليه: لما أفاض عمر من مِنى أناخ بالأبطح،