خُدورِها- عليَّ بنَصرِ بن حجَّاج، فأُتي به، فإذا هو من أحسنِ الناسِ وَجْهًا وعَينًا وشَعَرًا، فأمر بشَعرِهِ فجُزَّ، فخرجتْ له جبهةٌ كأنَّها شِقَّة قَمرٍ، فأمره أن يَعتَمَّ، فاعتمَّ فافتُتنَ النساءُ بعَيْنيه، فقال عمر: واللَّه لا تُساكِنُني في بلادٍ أنا بها، قال: اللَّه اللَّهَ يا أمير المؤمنين، قال: هو ما أقول لك، فسيَّره إلى البصرة.
وخشيت المرأةُ التي سمع منها عمرُ أن يبدرَ إليها منه شيءٌ، فدسَّت إليه أبياتًا تقول: [من البسيط]
قُلْ للإمامِ الذي تُخْشى بَوادِرُه … مالي وللخَمْرِ أو نَصْرِ بن حجَّاجِ
إني غَنِيتُ أبا حَفْصٍ بغيرهما … شُربِ الحليبِ وطَرْفٍ فاترٍ ساجِ
إن الهوى زمَّه التَّقوى فخَيَّسه … حتى أَقَرَّ بإلجامٍ وإسراجِ
لا تَجعلِ الظنَّ حقًّا أو تُيَقِّنَه … إنَّ السبيلَ سبيلُ الخائفِ الراجي
قال: فبكى عمرُ وقال: الحمدُ للَّهِ الذي حبسَ التُّقى الهوى.
قال: وأتى على نصرٍ حينٌ، واشتدَّ على أُمِّه غيبةُ ابنها عنها، فتعرَّضت لعمرَ بين الأذانِ والإقامةِ، فقَعدتْ له على الطريقِ، فلما خرج يُريد صلاةَ العصرِ قالت: يا أمير المؤمنين، لأُجاثيَنَّكَ يبن يدي اللَّه تعالى ثم لأُخاصمنَّك؛ أيبيتُ عبدُ اللَّه وعاصمٌ إلى جنبك، وبيني وبين ابني الفيافي والقِفار، والمفاوِزُ والجبالُ؟ فقال لها: يا أُمَّ نصرٍ، إن عبد اللَّه وعاصمًا لم تهتفْ بهما العواتقُ في خُدُورِهن، وانصرفتْ.
ومضى عمر إلى الصلاةِ، وأَبْرَد عمر بَريدًا إلى البَصْرةِ، فمكث بالبصرةِ أيامًا، ثم نادى مُناديه: مَن أراد أن يَكتُبَ إلى المدينةِ فليَكتُبْ، فإنَّ بريدَ المسلمين خارجٌ، قال: فكتب الناسُ، وكتب نَصر بنُ حجَّاج: سلامٌ عليك، أما بعدُ يا أميرَ المؤمنين: [من الطويل]
لعَمري لئن سيَّرتَني وحَرَمْتَني … فما نِلْتَ من عِرْضي عليك حرامُ
أإن غَنَّتِ الذَّلْفَاءُ يومًا بمُنْيَة … وبعضُ أمانيِّ النساءِ غَرامُ
ظننتَ بي الأمرَ الذي ليس بعده … بقاءٌ فمالي في النَّدِيِّ كلامُ
ويَمنعُني مما تقولُ تَكَرُّمي … وآباءُ صدقٍ سالفون كِرامُ
ويَمنعُها مما تمنَّت صَلاتُها … وحالٌ لها في قومِها وصِيامُ