له: اعهدْ عهدكَ، فقال: قد فعلتُ، قال. وصلّى عمر في ثيابِه التي جُرِح فيها ثلاثًا، والدّمُ فيها، وجُرْحُه يَثْعَبُ دمًا.
ولما حُمل إلى بيته دعا عبد الرحمن بنَ عوف ﵁ فقال له: إني أُريدُ أعهدُ إليك، فقال: يا أمير المؤمنين إذا أشرتَ عليَّ قَبِلتُ، فأنشُدُك اللَّه، هل تُشير به عليّ؟ قال: لا، فقال: واللَّه لا أَدخُلُ فيها أبدًا.
ودعا عثمان رضوان اللَّه عليه وقال له: إنْ عَرفَ لك أصحابُك سِنَّك فاتَّقِ اللَّه، ولا تَحمِلْ بني أبي مُعَيْط على رقاب الناس.
ثم دعا عليًا رضوان اللَّه عليه فقال: يا علي، لعلّ هؤلاء القوم يَعرفون لك قرابتَك من رسول اللَّه ﷺ وصِهرَك، وما آتاك اللَّه من الفقه والعلم، فإن وَليتَ هذا الأمرَ فلا تَحملْ بني هاشم على رقاب الناس.
ثم قال لصُهيب: صَلِّ بالناس ثلاثًا، وليَخْلُ هؤلاء القوم في بيتٍ، فإذا اجتمعوا على رجل فمَن خالَفَهم فاضربوا رأسَه.
فلما خرجوا من عنده قال: لو وَلَّوها الأَجْلَح سَلَك بهم الطريق، فقال له ابنه عبد اللَّه: فما يَمنَعُك؟ فقال: أكره أن أَتَحمّلَها حيًا وميتًا.
ثم دخل عليه كعب فقال له: ﴿الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (١٤٧)﴾ [البقرة: ١٤٧] قد أنبأتُك أنك شهيد فقلتَ: وأنّى لي بالشهادة وأنا في جزيرة العرب (١)؟!
وقال سِماك: إن عمر رضوان اللَّه عليه لما احتُضر قال: إنْ أستَخلِف فسُنَّة، وإلا أستَخلِف فسُنَّة، توفّي رسول اللَّه ﷺ ولم يَستَخلِف، وتوفي أبو بكر فاستَخْلَف، قال: فعرفتُ واللَّه أنه لن يَعدِلَ بسُنَّةِ رسول اللَّه ﷺ شيئًا، فذاك الذي جعلها شُورى في الستَّة، ثم قال للأنصار: أدخِلوهم بيتًا ثلاثةَ أيام، فإن استقاموا وإلا فاضربوا أعناقَهم.
قال عبد الرحمن بن أبْزَى: قال عمر: هذا الأمرُ في أهل بدر ما بَقي منهم أحد،
(١) طبقات ابن سعد ٣/ ٣١٦ - ٣١٧، وأخبار المدينة ٨٩١ - ٨٩٢، وتاريخ الطبري ٤/ ١٩١ - ١٩٣، وأنساب الأشراف ٩/ ١٩٩ - ٢٠٠، وتاريخ دمشق ٥٣/ ٣٤٩.