للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فكتب إليه عمرو: إنني ببَلدٍ السِّعرُ فيه رَخيصٌ، وإني أُعالِج من الزِّراعة ما يُعالجُ الناس، وفي رزقِ اللَّه ورزقِ أمير المؤمنين سَعَة، وواللَّه لو رأيتُ خيانتَك حلالًا ما خُنتُك، فأَقصِرْ أيها الرجل، فإن لنا أحسابًا، وهي خيرٌ من العمل لك، فإن رَجَعنا إليها عِشنا بها.

فكتب إليه عمر رضوان اللَّه عليه: ما أنا من أَساطيرك التي تُسطِّر، ونَسْقك الكلام في غير مَرْجع، وما يُغني عنك أن تُزكِّي نَفسَك، وقد بَعثتُ إليك محمد بن مَسْلَمة، فشاطِرْه مالَك، فإنكم أيها العُمال جلستُم على عُيون المال، تَجمعون لأبنائكم، وتُمهِّدون لأنفُسكم، وإنما تَجمعون للنار، والسلام.

فلما قَدم محمد على عمرو صَنع له طعامًا، فقال محمد: واللَّه لا أكلتُ لك طعامًا، ولو كنتُ ضيفًا لأكلتُ، ولكن قَدَّمْتَه إلي تَقدِمة شرّ، واللَّه لا شربتُ لك ماءً، فشاطره مالَه جميعَه، وبقيت نَعلان، فأخذ إحداهما وترك الأخرى، وقال: قبَّح اللَّه زمانًا عمل فيه ابنُ العاص لابن الخطاب، واللَّه إني لأعرفُ الخطاب يَحمل على رأسه حُزمَة حطب، وعلى رأس ابنه مثلَها، وما منهما إلا في نَمِرة ما تَبلغُ رُسْغَه، واللَّه ما كان العاص يرضى أدْ يَلبس الدِّيباج مُزَوَّرًا بالذهب والفضة، فقا في له محمد: اسكُتْ، فواللَّه إن عمر خَيرٌ منك، وإن أباك وأباه في النار، فقال عمرو: هي عندك أمانة، فلم يُخبِر بها عمر رضوان اللَّه عليه.

ومرّ عمر رضوان اللَّه عليه ببناء يُبنى بالجَصّ والآجُرّ، فقال: لمن هذا؟ قيل: لعاملك على البحرين، فقال: أبَت واللَّه الدَّراهم إلا أن تُخرِجَ أعناقَها، فأرسل إليه فشاطره مالَه.

واستدعى الحارث منَ وَهْب عاملَه على صَنْعاء وقال له: ما قِلاصٌ وأَعبُدٌ بعتَها بمئتَي دينار؟! فقال: خرجتُ معي بنَفقةٍ فتَجرتُ فيها، فقال: أما واللَّه ما بَعثْناكم لِتَتَّجِرُوا في أموال المسلمين، أَدِّها أدِّها، فقال: واللَّه لا عَملتُ لك عملًا أبدًا، قال: انتظر حتى أستَعْمِلَك، ثم قاسمه مالَه.

وقاسم سعد بن أبي وَقّاص مالَه، فلما عَزلَه عن الكُوفة، وكان سعد مُستجاب الدَّعوة، فلما شاطره مالَه قال: لقد هَممتُ، قال عمر رضوان اللَّه عليه: أن تَدعُوَ عليَّ؟ قال: نعم، قال عمر: إذًا لا تَجِدني بدُعاء ربي شقيًا.