وكان عمر رضوان اللَّه عليه يُقاسم عُمَّاله ويقول: أشكو إلى اللَّه جَلَد الخائن وعَجْزَ الثّقة، وكان يَضع عليهم العُيون.
وقاسم أبا موسى مالَه، وكان قد وَلّاه البصرة، ثم أَقدَمَه عليه، فقال له: ما جاريتان عندك إحداهما تُدعَى عقيلة، والأُخرى من بنات الملوك؟! فقال: أمَّا عقيلة فبيني وبين الناس، وأما التي من بنات الملوك فأردتُ بها غلاءَ الفِداء، قال: فما جَفْنتان عندك؟! قال: رَزقْتَني كلَّ يوم شاةً، أعمل نصفَها بُكرةً، ونصفَها عشيَّةً، قال: فما مِكيالان عندك؟ قال: أما أحدُهما فأُوفّي به أهلي ودابَّتي، وأما الآخر فيتعاملُ به الناس، فقال: ادفع إلينا عقيلة، وارجع إلى عَملك عاقِصًا بقَرْنِك، مُكتَسِعًا بذَنبك، وإن بَلغَني بعدها أمرٌ عَزلتُك، وأخذتُ جميعَ مالك.
ووَلّى أبا هريرة البحرين، وشاطره مالَه، ثم أقدمه عليه وقال: يا عبد شمس، هل علمتَ أني استعملتُك على البحرين وأنت بغير نَعلَين، ثم بَلَغني أنك بِعتَ أفراسًا بألفٍ وست مئة دينار؟ فقال: كانت لنا أفراس تَناتَجتْ، وعطايا تَلاحَقَتْ، قال: قد أخذتَ مالَ اللَّه فأدِّه، قد حَسَبْنا رزقَك ومؤنتَك، ومعك فضلٌ فأَدِّه، قال: ليس لك ذلك، فقال: بلى وأُوجعُ ظَهرَك، ثم قام إليه فضربه بالدرّة حتى أدماه، ثم قال: ائتِ بها، فقال: عند اللَّه أحتَسِبُها، فقال: يا لُكَع، ذلك لو أخذتَها من حَلال، أو أدَّيتَها طائعًا، أجئتَ من أقصى حَجْر بالبحرين يَجبي الناسُ لك، لا واللَّه، وهل وَرَّثت لك أُميمة -يعني أمّه- إلا رَعْي الحُمُر؟! يا عدوَّ اللَّه، وعدوَّ كتابه ورسوله، سرقتَ من مال المسلمين، فقال: ما أنا عدوُّهم، أنا عدؤُ مَن عاداهم، وما سرقتُ شيئًا، قال: فمن أين لك عشرة آلاف درهم؟! فأخذها منه، ثم قال له: ألا تَعمل؟ قال: لا، قال: قد عَمل مَن هو خيرٌ منك؛ يوسف الصدّيق حيث قال: ﴿اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ﴾ [يوسف: ٥٥] فقال له: يوسف نبيّ، وأنا ابنُ أُميمة، أخشى أن يُشتمَ عِرضي، ويُضرَبَ ظَهري، ويُنزَعَ مالي.
وقاسم عمرو بنَ العاص مالَه، وبعث إليه محمد بنَ مَسْلَمَة الأنصاري، وكتب إليه عمر: عَهدي بك وأنت فقيرٌ لا مالَ لك، وقد بلغني أنه نَشَأتْ لك ماشِيةٌ من خيلٍ وإِبلٍ وبَقَرٍ وعَبيد، فمن أين لك هذا المال؟!