ويُقال: إنَّهما نشآ جميعًا، فعَلِقا عِلاقةَ الصِّبا، وكان عُروةُ يتيمًا في حِجْرِ عمِّه حتى بَلَغَ، وكان يَسألُ عمَّه يُزوِّجه عَفراء فيُسَوِّفُه، إلى أن خَرَجَت عِيرٌ لأهله إلى الشام؛ وخرج عروةُ معها، ووفَدَ على عمِّه ابنُ عمٍّ له من البلقاءِ يُريدُ الحجَّ، فخطبها فزوَّجه إياها.
وأقبل عروةُ في عِيرِهِ تلك، حتى إذا كان بتَبوك نَظر إلى رِفْقَةٍ مُقبِلةٍ، فيهم امرأةٌ على جمَلٍ أحمرَ، فقال لأصحابهِ: واللَّه لكأنَّها شمائلُ عَفراء، فقالوا: أما تَتركُ ذِكْرَ عفراء؟ فلما قَربوا وتبيَّنَ الأمر، أبلس قائمًا لا يَحيرُ جوابًا حتى بَعُد القومُ، فذلك حين يقول: [من الطويل]
وإني لتَعروني لذِكراكِ رَوْعَةٌ … لها بين جلدي والعِظامِ دَبيبُ
[وما] هو إلّا أن أَراها فُجاءةً … فأُبْهَتَ حتى ما أكادُ أُجيبُ
وقلتُ لعرَّافِ اليَمامةِ داوِني … فإنَّك إن داوَيْتَني لَطَبيبُ
وما بيَ من حُمَّى وما بيَ جِنَّةٌ … ولكن عمِّي الحِميريَّ كَذوبُ
فواللَّهِ ما أنساكِ ما هبَّتِ الصَّبا … وما أَعْقَبَتْها في الرياحِ جَنوبُ
وانصرف عروةُ إلى أهلهِ باكيًا والِهًا، فنَحِلَ ولم يَبْقَ منه شيءٌ، فقال بعضُ الناسِ: هو مسحورٌ، وقال بعضُهم: هو مجنون، وقال آخرون: مُوَسْوس.
وكان باليَمامة طبيبٌ له تابعٌ من الجنِّ يَأتيه، وكان أطبَّ الناسِ، فقالوا: لو خَرجتُم إليه، فخرجوا به إليه، فجعل يَزداد سُقْمًا، فقال له عروةُ: يا هَناه، هل عندكَ للحبِّ دواءٌ أو رُقْيَةٌ؟ فقال: لا واللَّهِ، فانصرفوا من عنده، ومرُّوا بطبيب بحَجْر بنَجْدٍ، فصَنع به مثلَ ذلك، فلم يَنجح، فقال له عُروةُ: واللَّه ما دَوائي إلا عند شَخْصٍ بالبَلْقاء فهي دائي ودوائي، فانصرفوا به، فأنشأ يقول عند انصِرافهم به من عند الطّبيبِ: [من الطويل]
جعلتُ لعرَّافِ اليمامةِ حُكْمَهُ … وعرَّافِ نَجْدٍ إنْ هُما شَفَياني
فقالا نعم نَشْفي من الدّاءِ كلِّه … وقاما مع العُوَّادِ يَبْتَدِراني
فما تَركا من رُقْيةٍ يَعلمانِها … ولا سَلْوَةٍ إلّا وقد سَقَياني
= وجمهرة أنساب العرب ٣١٥، وتاريخ دمشق ٤٧/ ٢٢٥ و ٢٢٦: بن عبد بن كبير بن عذرة.