فقالا شَفاك اللَّهُ واللَّهِ ما لنا … بما ضُمِّنَتْ منك الضُّلوعُ يَدانِ
قال: فلما قَدِم على أهلهِ -وكان له والدةٌ وخالةٌ وأربعُ أخواتٍ- فمرَّضْنَهُ دَهرًا، فقال لهنَّ يومًا: لو نظرتُ إلى عَفراءَ نَظرةً ذهبَ وجعي، فذهبوا حتى نَزلوا البَلقاءَ مُسْتَخْفِين، وكان لا يَزالُ يَنظُرُ إلى عَفراءَ ويُلِمُّ بها، وكانت عند رجلٍ كريمٍ كثيرِ المال والغاشية.
فبينما عُروةُ يومًا بسُوقِ البَلقاء لَقِيه رجلٌ من عُذْرَةَ، فسأله عن حالهِ ومَقْدَمهِ فأخبره، فجاء العُذْريُّ إلى زَوج عَفْراء، فقال له: متى قَدِم هذا الكلبُ الذي قد فَضَحكم؟ فقال زوجُ عَفراء: أيُّ كَلبٍ هو؟ قال: عُروةُ، [قال:] وقد قَدِم؟ [قال: نعم]، قال: أنتَ أولى بها [منه] أن تكون كلبًا، واللَّه ما علمتُ بقُدومهِ، ولو علمتُ لضَمَمْتُه إليَّ.
فلما أصبح غَدا يَستدلُّ عليه حتى عَرفَ مَوضعه، فجاءه فقال: قَدِمتَ هذا البلدَ ولم تَنزِل بنا؟ ولم نَرَ مَن يُعْلِمنُا بمكانكَ فيكون منزلُكَ عندنا؟ عليَّ وعَليَّ إن كان لك مَنزلٌ إلا عندي. قال: نعم، نتحوَّلُ إليك الليلةَ أو في غَدٍ، فلما ولَّى قال عروةُ لأهله: قد كان ما تَرَوْنَ، وإن أنتم لم تخرجوا معي، لأركبَنَّ رأسي، فارتَحلوا معه، ونُكِسَ عُرْوَةُ فلم يَزَلْ مُدْنَفًا حتى نزلوا بوادي القُرى (١).
وفي روايةٍ أُخرى أن حِزامًا هلك، وترك ابنَه عُروةَ صغيرًا في حِجْرِ عمِّه عِقال بن مُهاصِر، وكانت عفراءُ تِرْبًا لعُروَةَ يَلعبانِ جميعًا ويكونان معًا، حتى ألِفَ كلُّ واحدٍ منهما صاحبَه إِلْفًا شديدًا، وكان عِقال يقول لعُروة: أَبشِرْ، فإنَّ عفراءَ امرأتُك إن شاءَ اللَّه؛ لما يَرى من إلْفِهِما، فكانا كذلك حتى بَلغا، فشكا عُروةُ إلى عَمّته هند بنت مُهاصر ما يَجِدُ من حبّ عفراءَ، وطلب نَجازَ وَعْدِ عمِّه، فجاءت هندُ إلى أخيها عِقال وقالت: قد أتيتُك في حاجةٍ أُحبُّ أن تُحْسِنَ قضاءَها، وإنَّ اللَّه يؤجرك على صلة رحمكَ، فقال: اسألي، قالت: تُزوِّج عروة ابنَ أخيك عفراء، فقال: ما عنه مَذْهَبٌ، ولا بنا عنه رَغْبَةٌ، ولكنَّه ليس بذي مال، وليست عليه عجَلَةٌ.
وكانت أُمُّها لا تُريدُ إلّا ذا مال، وعَلِمَ عروةُ أن رَجُلًا ذا مالٍ خَطبها، فجاء إلى
(١) من قوله: فأخبرنا عبد الوهاب بإسناده. . . إلى هنا ليس في (خ) و (ع).